رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بقوة المنطق لا منطق القوة

في خطابه التاريخي الهام بمؤتمر جدة أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن لمصر العديد من التجارب التاريخية العديدة في المنطقة، وكانت دومًا خلالها رائدة وسباقة في الانفتاح على مختلف الشعوب والثقافات وانتهاج مسار السلام، فكان هو خيارها الاستراتيجي الذي صنعته، وفرضته، وحفظته، وحملت لواء نشر ثقافته، إيمانًا منها بقوة المنطق لا منطق القوة، وبأن العالم يتسع للجميع، وهو سلام الأقوياء القائم على الحق، والعدل، والتوازن، واحترام حقوق الآخر، وقبوله..
نعم، كانت جملة بديعة "إيمانًا منا بقوة المنطق لا منطق القوة" توجز رائع التوجه الدبلوماسي الرئاسي والسياسي والفكري المصري..
نعم، فالحوار الجدلي الإنساني القائم بين "قوة المنطق" و"منطق القوة" ظل يراوح أذهان الناس، ومع التراكم الفعلي المعرفي لديهم، كانت الخيارات للأسف نحو منطق القوة في كثير من الأحيان..
في إشارة الرئيس لقوة المنطق أراها لقتة هامة في زمن التعامل مع مظاهر التدين المظهري  والتعصب والتشدد الأصولي في منطقتنا العربية وهو توجه هام وعقلاني، في مراحل تحلم فيها الشعوب بإنجاز خطوات جادة داعمة لمشوارها نحو التقدم يُطرح غالبًا هذا السؤال: كيف السبيل لتحفيز ومقاومة أهل الكسل العقلي؟.. حيث تعثر الخطوات في دنيا السعي إلى كسب مساحات جديدة مبشرة بحال أفضل، حتى لا نذهب  إلى حالة تراجع تلك الأحلام المحفزة لإنجاز طفرات وقفزات نحو التقدم، ومن ثم يزداد التخلف وتنتشر جراثيمه وميكروباته في أوصال أوطانهم..
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الإرهاصات الأولية التي تحققت نحو استضاءات التنوير في مصر وبعض المناطق العربية في القرن التاسع عشر لم تنم للأسف كتيارات ومسارات للأمام ، وعليه  تراجعت العقلانية والحداثة اللتان ارتبطتا بتلك الإرهاصات أمام زحف التخلف الفكري والجمود المتعصب، ولم تقدر إرهاصات التنوير على مقاومة القوى صاحبة المصلحة في إطفاء نور العقل، على عكس ما تحقق في عصر التنوير الأوروبي.
نعم، فحالة إعمال العقل لدينا في العالم العربي كانت "بعافية شوية أو قل شويتين"، بينما استطاع الفرنجة ودول العالم الأكثر تقدمًا العبور لدنيا تشكيل مجتمعات التقدم عبر الاستفادة بثورة الاتصالات واتساع فضاءات دنيا المعرفة والإبداع.
وعليه، لن يتم تحقيق أي تقدم لمجتمع ما في هذا العصر إلا حين يشرق نور العقل في سماواته وآفاق تطلعات بنيه..لا بد من الاتفاق على أن السماح والدفع بآليات التنوير بات ضرورة ملحة وعاجلة، وكل يوم تتراجع فيه خطوات قوى التنوير، يجعلنا نتخلف عشرات السنين، وثانيًا أن تلك المهمة تحتاج إلى صياغة وطنية، وثالثًا أنها لا يمكن أن تنجح بدون مراعاة خصوصيات متعددة، منها البلد الذي تتم فيه وأوضاع المنطقة، واهتمامات القوى الكبرى وتدخلاتها.
ويذهب الدكتور فؤاد زكريا، ومثله الدكتور حسن حنفي، إلى أن التعصب يتضمن عنصرين، أولهما هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها، سواء كانت قبيلة أو وطنًا أو مذهبًا فكريًا أو دينيًا أسمى وأرفع من بقية الفئات، أما العنصر الثاني فهو اعتقاده بأن تلك الفئات هي، بالنتيجة، أحط من تلك التي ينتمي إليها هو، لذلك فإن المتعصب يميل إلى إلحاق الضرر بالغير ممن يشعر تجاههم بالحقد أو الحسد أو الاحتقار، والتعصب لهذا السبب ليس جرعة زائدة من التدين مثلاً أو الانحياز لرأي، بقدر ما هو موقف سياسي وفكري مبني على تعبئة نفسية خاطئة وخطيرة، كونها لا تخاطب عقل الإنسان ووعيه، وتدفعه إلى التصادم والمواجهة مع المجتمع برمته عندما يرمى بالكفر والفسق، من الموقع الذي سماه أحد الكتاب "الاستعلاء بالإيمان"، الذي يفترض أن صاحبه أكثر إيمانا من بقية الجماعة وأنه على صواب، فيما الآخرون على خطأ وضلال، ومن طبيعة المتعصب أن يكون غير موضوعي.
وعليه، فقد  أشار الرئيس في كلمته تفعيلًا لمبدأ وفكرة إعمال قوة المنطق والتفكير العقلاني، أن مصر تدعم كل جهد من شأنه تطوير التعاون وتنويع الشراكات لمواجهة أزمتي الغذاء والطاقة الراهنتين، مع التأكيد على أن التعامل مع أزمة الغذاء يتطلب مراعاة أبعادها المتعددة على المديين القصير والبعيد لوضع آليات فعالة للاستجابة السريعة لاحتياجات الدول المتضررة من خلال حزم عاجلة للدعم، فضلًا عن تطوير آليات الإنتاج الزراعي المستدام وتخزين الحبوب وخفض الفاقد، وذلك بالتعاون مع الشركاء ومؤسسات التمويل الدولية، وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على التعامل مع أزمة الطاقة التي تتطلب من جانبنا تعاونًا فعالًا لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية.