رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأخلاقى وغير الأخلاقى فى الفن


عادة ما يكون السؤال الرئيسى عند منع أو مصادرة فيلم أو كتاب هو: هل نحن مع المصادرة والمنع كمبدأ أم أننا ضد ذلك؟ إلا أن د. جلال أمين فى مقاله أواخر أبريل بالأهرام عن فيلم «حلاوة الروح» تخير لرؤية المسألة زاوية أخرى. بداية هو – بنص كلماته فى ختام مقاله- ضد المنع والمصادرة، فإذا تركنا نص كلماته سنجد أن طبيعة النقاش الذى أثاره ومعظم الحجج التى ساقها توشك أن تقول إنه يتفهم المنع! يطرح د.جلال سؤالا عميقا وعويصا من أسئلة نظرية الأدب وهو «هل يمكن حقا لعمل فنى يستحق هذا الوصف أن يكون غير أخلاقى؟ أم أن العمل الفنى هو بالضرورة عمل أخلاقى؟». وبذلك يجعل د. جلال الصدارة لقضية فلسفية وأدبية منحيا خطورة الرقابة على الأعمال الفنية إلى الخلف قليلا. ولا أظن أن هناك من يختلف على رداءة فيلم «حلاوة الروح»، لكن الخلاف ينشب عندما يثور السؤال: هل يمكن مصادرة عمل ما لأنه ردىء فنيا أو حتى أخلاقيا؟ ألسنا بذلك نكرس مبدأ الرقابة التى تمتد عادة من مصادرة الأعمال الهابطة إلى مصادرة «أولاد حارتنا»؟.

يبقى السؤال الآخر الأعمق الذى يطرحه د. جلال «أليس العمل الفنى هو بالضرورة عملا أخلاقيا؟». يجيب جلال أمين عن سؤاله بقوله إن كل عمل فنى جيد أخلاقيا جيد فنيا، وكل عمل جيد فنيا جيد أخلاقيا، أى أن العمل الفنى الجيد مرتبط حتما بالأخلاق. ومايقوله د. جلال بهذا الشأن صحيح تماما، فقد شهد تاريخ الأدب بأشكال مختلفة ذلك الترابط العضوى بين ما هو جمالى وما هو أخلاقى. وعلى سبيل المثال إذا نحن نظرنا إلى مسرحية «تاجر البندقية» التى صور فيها شكسبير بخل اليهودى سنجد أن النص الرائع يقوم بدرجة ما على نظرة أخلاقية تستبشع البخل والدناءة، لكن معظم الأعمال الأدبية لا تطرح القضية الأخلاقية بهذه البساطة، كما أن ذلك كله لا علاقة له بضرورة رفض الرقابة أيا كانت على الأدب والفن ومواجهتها بقوة. من ناحية أخرى فإن تصور د. جلال أمين لموضوع الأخلاق التى يسترشد بها الفن تصور عام للغاية يسوقنا للتساؤل عن ماهية تلك الأخلاق المرتبطة بالفن والأدب؟ الأخلاق شكل من أشكال الوعى الاجتماعى تشكل سلطة معنوية تتولى تنظيم سلوك الناس فى مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، فى العمل والبيت والأماكن العامة. لكنها ظاهرة تاريخية تتطور وتتغير. وفى وقت من الأوقات كان تقبيل الشباب ليد كبار السن علامة على الأخلاق! وكانت «أخلاق الإنسان الحر» فى الصعيد تلزمه بقتل أخته إذا أحبت ، كما جاء فى سيرة شفيقة ومتولى. وحين نتحدث عن ارتباط الفن بالأخلاق بشكل عام، فإننا فى واقع الأمر نكرس للأخلاق القائمة الآن بنواقصها وامتيازاتها، بكل ما فيها من نفاق وكذب، وأيضا بكل ما فيها من نزوع للحرية. أى أخلاق تلك التى ترتبط بالضرورة بالفن؟. هل هى أخلاق «العين لا تعلو على الحاجب»؟ «أم أخلاق لابد من يوم معلوم ترتد فيه المظالم؟«. تاريخيا شكل الأخلاقى والجميل وحدة عضوية فى الفن. إلا أن هذه الوحدة شهدت على الدوام تناقضا بداخلها، حينما كانت الأخلاق تعبيرا عن قيم مجتمع رجعي. لهذا سوف نجد آلاف الحالات التى دمر فيها» الجمالى» كل ماتم التعارف عليه بصفته « أخلاقى» لصالح أخلاق أخرى جديدة.

■ كاتب وأديب

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.