رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أطلع لك القمر».. كل إنجازنا العلمى


فى سيرته الذاتية يوجز الرئيس الهندى د. أبو بكر معنى حياته قائلا: «لن أدعى أن حياتى تصلح نموذجا لأى شخص، لكن طفلا فقيرا يعيش فى مكان تعس فى ظروف شاقة، ربما يجد العزاء فى الطريقة التى تشكل بها قدرى».

فى 16 أبريل الجارى تم إطلاق القمر الصناعى المصرى «إيجيبت سات» بواسطة صاروخ روسى من قاعدة «بايكنور» فى كازاخستان تمهيدا لتأسيس أول وكالة فضاء مصرية، سبقه قمر أطلق فى 2007 وفقد الاتصال بالأرض. بعد يوم واحد من إطلاق القمر التقى المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسى الدكتور مجدى يعقوب ليناقش معه مستقبل البحث العلمى فى مصر. مازال البحث العلمى عندنا متدهوراً ومازلنا لم نحقق شيئا مرموقا تقريبا، هذا بينما استطاعت الهند منذ ست سنوات أن تطلق مركبة فضائية إلى القمر لاستكشاف طبقات سطح الكوكب والبحث عن مياه. والهند بالذات أفضل نموذج لإلقاء الضوء على مدى التدهور العلمى لدينا. أولا لأن أوضاعها العامة أسوأ بملايين المرات من أوضاعنا ولم يعطل ذلك التقدم العلمى، فعدد سكانها يتجاوز المليار نسمة، وهو مليار ممزق بين مئات القوميات والأديان والمذاهب والطوائف ويتكلم بأربع عشرة لغة علاوة على أربع وعشرين لهجة. وعاشت الهند دوما مهددة بالحروب والأطماع الإقليمية الصينية والنزاع الحدودى مع باكستان. احتلها الاستعمار البريطانى كما فعل مع مصر وتحررت فقط عام 1949، ومازالت بلدا فقيرا يعيش الفرد فيه بأقل من دولار يوميا. الأكثر من ذلك أنها عانت المجاعات والأوبئة، حتى إن جمال عبد الناصر تردد فى قبول مشروع «نهرو» للتعاون فى صناعة الصواريخ خشية من فقر الهند وبؤسها. لكن الهند رغم مشكلاتها الضخمة استطاعت بعد عشرين عاما من استقلالها أن تطعم نفسها، بل وأن تصل إلى تصدير الغذاء، وفى الوقت ذاته أنفقت بسخاء على البحث العلمى والتعليم، وأقامت صناعة محلية ضخمة. أما مصر وقسوة ظروفها أيا كانت أهون من الهند فإنها بعد أن كانت تكتفى ذاتيا من القمح صارت تستورد 60% منه من الخارج، ولم نعد نرى منتجا صناعيا وطنيا، أما القمر فلم نصل إليه إلا بفضل عبد الحليم حافظ حين غنى «عشانك يا قمر .. أطلع لك القمر». أكدت الهند الممزقة المحاطة بأخطار الحروب التى يسحقها الفقر والطائفية والجهل أن بوسع النظم بشكل أو آخر أن تتخطى كل العوائق نحو التطور العلمى. ذلك أن إطلاقها مركبة فضائية يعنى ضمنا أن لديها حقلا من علوم متكاملة: أنظمة تحكم واتصالات وإلكترونيات وصناعة صواريخ وغير ذلك. أما نحن فما زال أقصى جهدنا أن نجلس ونناقش مستقبل البحث العلمى. هل حققت الهند ذلك النجاح لإيمانها بالعلم الذى بلغ حد انتخاب رئيس لها فى 2002 من العلماء المختصين فى الفضاء؟ العالم الذى روى فيما بعد قصة حياته التى بدأها صبيا فقيرا يبيع الصحف فى الشوارع وختمها عالما فذا ورئيسا للجمهورية؟ فى سيرته الذاتية يوجز الرئيس الهندى د. أبو بكر معنى حياته قائلا: «لن أدعى أن حياتى تصلح نموذجا لأى شخص، لكن طفلا فقيرا يعيش فى مكان تعس فى ظروف شاقة، ربما يجد العزاء فى الطريقة التى تشكل بها قدرى». هل كان من المستحيل أن نرى من بين المرشحين للرئاسة لدينا عالما مثل د. محمد غنيم أو مجدى يعقوب أو رءوف حامد؟

■ كاتب وأديب