رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أما زلنا نسجن الأدباء ؟


لم يتعرض طه حسين للسجن بعد نشر كتابه فى الشعر الجاهلى عام 1926، وأغلقت النيابة التحقيق معه وبرأته. وحين كتب إسماعيل أدهم مقاله «لماذا أنا ملحد؟» عام 1936 كان إلحاده واضحا بنص كلماته «خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات وآمنت بالعلم وحده».

مع ذلك لم يطالب أحد بتطبيق حد الردة على الكاتب وهو مسلم، ولم يسجن، ولم يتم نفيه إلى الخارج، ولا جرت حتى مصادرة الكتاب! واكتفى أساتذة كبار بتفنيد رأيه مثل د. أحمد زكى أبوشادى فى مقاله «لماذا أنا مؤمن؟». إلا أن ذلك الإيمان برد الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة سرعان ما انكسر حتى صرنا منذ السبعينيات نطارد الكتاب بالقتل كما حدث مع فرج فودة بسبب كتابه «الحقيقة الغائبة»، أو بالطعن كما تم مع نجيب محفوظ، أو بالسجن مثلما جرى مع علاء حامد بسبب روايته «مسافة فى عقل رجل» أو كحد أدنى بالتكفير فى حالة نصر حامد أبوزيد بسبب «نقد الخطاب الدينى». ولمعت فى كل مكان تهمة «ازدراء الأديان» التى وجهت مؤخرا إلى كرم صابر بسبب مجموعته القصصية «أين الله ؟» فصدر عليه فى 11 مارس الحالى حكم بالسجن خمس سنوات! مجموعة «أين الله» لكرم صابر صدرت فى 2010، وفى أبريل 2011 رفع المحامى سيد طنطاوى وآخرون بلاغا لنيابة بنى سويف طالبوا فيه بمصادرتها واتهموا مؤلفها» بالتهكم على الشريعة الإسلامية وفرائضها.. والسخرية من أحكام الإسلام. ولاشك أن الباعث على التفسير المتعنت للمجموعة متوفر فى قصصها الإحدى عشرة التى اقتصرت– لا أدرى لماذا - على تناول الموضوع الدينى بتجلياته المختلفة. إلا أن قراءة منصفة ستبين أن الباب كان مفتوحا دوما لتفسير آخر لكلمات الكاتب بدءا من عنوان المجموعة «أين الله» الذى يحتمل التفسير كنفى لوجود الذات الإلهية أو على العكس كنداء واسترحام لها لتشمل الجميع بعطفها، أو قوله «أيها الرب أنت الأمل.. عد إلينا». لهذا أشار تقرير لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة بشأن الحكم الصادر إلى أن أدلة الثبوت التى استعانت بها المحكمة تكشف عن «غياب الفهم الدقيق لمعنى الأدب وجمالياته». ولست هنا فى معرض الدفاع عن المجموعة كعمل فنى، فهى ليست قصصا وإنما صور صحفية أدبية. الأهم من ذلك أننى رأيت ومازلت أرى أن الدين قضية بين الخالق عز وجل والمخلوق، أما المؤلفون الذين يتناولون تلك القضية بصفتها قضية مركزية، فإنهم يلتقون عمليا مع المتعصبين الذين يتخذون من الموضوع ذاته محورا للنضال. هنا وهناك يتم طرح هموم مصر على أساس ديني. وبالرغم من ذلك فإننى أستنكر صدور حكم بسجن كاتب، أى كاتب، أيا كان ما كتبه. وقد قدم المحامى حمدى الأسيوطى بهذا المعنى مذكرة دفاع مجيدة أبرز فيها تعارض الحكم مع المادة 67 من الدستور التى تنص على أن «حرية الإبداع مكفولة» والتى تنص أيضا على «عدم حبس مبدع عن كتاب أو فكر أو رأى». أما الشهود فكانوا مساعد شرطة وملازم شرطة ومفتشا بالأوقاف! بوسعنا أن نختلف مع الكاتب إلى أقصى درجة وأن نفند ما جاء فى عمله حرفا حرفا، أما المصادرة والسجون فقد أثبت تاريخ الفكر أنها بلا جدوى، وأنها لم تمنع أحدا من الإدلاء بما لديه سواء أكان مالديه يستحق أن يقال أو لا يستحق.