رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب باردة على القرم الدافئ


«القرم» كلمة تتارية تعنى القلعة أو الحصن، اندلعت بسببه الحرب التركية الروسية 1853- 1856، وشاركت فيها مصر إلى جوار الأتراك بحكم انضوائها تحت الخلافة العثمانية، وبعثت حينذاك بفيلق من خمسة عشرألف جندى وضابط مصري. والقرم شبه جزيرة ضمتها روسيا إلى أراضيها رسميا عام 1783 فى عهد الإمبراطورة يكاترينا الثانية،

وكانت ومازالت المنفذ الوحيد لروسيا على مياه البحر الأسود الدافئة خلافا للموانئ الأخرى التى يتجمد ماؤها شهورا طويلة. ويسمح القرم للأساطيل الروسية بالحركة فى كل الاتجاهات خاصة فى اتجاه البحر المتوسط. ظل القرم ضمن الأراضى الروسية حتى عام 1954 حين أعلن الزعيم «نيكتيا خروشوف» إلحاق القرم بأوكرانيا فى إطار دولة سوفيتية واحدة لا تعبأ بتحريك الحدود فيما بينها، خاصة أن كان ذلك التعديل مع أوكرانيا التى ربطتها بروسيا علاقة خاصة ترتكز على العرق السلافى والثقافة والتاريخ المشترك. ففى أوكرانيا وليس فى غيرها ظهرت أول دولة روسية فى القرن الثامن واتخذت من «كييف» العاصمة الأوكرانية الحالية مركزا لها. بل إن الاسم أوكرانيا يعنى بالروسية «عند الحدود» أى منطقة الحدود الروسية! ومع انهيار الاتحاد السوفيتى وكانت روسيا قلب الاتحاد وركيزته انسحبت روسيا من مناطق نفوذها فى أفغانستان، ومن الشرق الأوسط، ثم من مناطق شرق أوروبا، ثم من البلطيق بجمهورياته الثلاث، ثم من جمهوريات آسيا الوسطى، ومن جمهوريات ما وراء القوقاز أرمينيا وجورجيا وأذربيجان، وانكفأت على نفسها وهى ترى حلف الناتو ينتشر بالتدريج ويطوقها من كل تلك الجوانب التى كانت مناطق نفوذها ومصالحها الحيوية لعهد قريب. واكتفت روسيا بعدم المساس بعلاقتها بأوكرانيا وبروسيا البيضاء لخصوصية تلك العلاقة. وبالنسبة للقرم اكتفت روسيا بمعاهدات أبرمتها مع أوكرانيا نصت آخرها وهى اتفاقية خاركوف عام 2010 على بقاء القاعدة البحرية الروسية فى القرم حتى عام 2043 القابلة للتجديد بعد ذلك لخمس سنوات. إلا أن الانسحاب الروسى المستمر أغرى حلف الناتو والأمريكيين بالمزيد من الضغوط بهدف تطويق روسيا مباشرة عند حدودها الأولى. ومنذ عام 1992 أخذت أمريكا وإسرائيل تغذى فى أوكرانيا أوكار التجسس المسماة جماعات حقوق الإنسان والتشكيلات السياسية والعسكرية التى تاجرت بالنزعة القومية لجرجرة أوكرانيا إلى طاحونة الاستغلال الرأسمالى العالمى، واستخدام أوكرانيا لنشر بطاريات مشروع الدرع الصاروخى الأمريكى على حدود روسيا مباشرة. وقد تصاعد النشاط الأمريكى الأوروبى لحرمان روسيا من القرم فى اللحظة التى أدركت روسيا فيها - بعد تجربة العراق وليبيا - أنها باركت تلك الحروب لكنها خرجت منها صفر اليدين بينما ذهبت الأرباح وعقود النفط إلى جيوب الأمريكيين وحلفائهم. أدركت روسيا أخيرا أن الأصدقاء لا يراعون حق الشراكة، فأصبحت أكثر حرصا على مصالحها فى سوريا وإيران ...وللحديث بقية

■ كاتب وأديب