رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البدين والنحيف والضرب على خفيف

فى شارع السلطان حسين بالإسماعيلية وقف عريس ينتظر خروج عروسه من عند الكوافير ليصطحبها إلى العرس، وفوجئ المارة به وهو يصفع عروسه وهى ترتدى فستان الفرح ويكيل لها اللكمات، وعلق الشجيع الشهم على ما قام به بقوله: «مش حاجة جديدة إن أنا أضرب بنت عمى ومراتى، دى حاجة عادية عندنا»!.

وإذا كان من حق العريس أن يضرب عروسه، فإن تلك الجريمة إذا تمت فى مكان عام فإنها تتقاطع مع الحق العام للمجتمع، ومثلما أقر المجتمع حقه فى تجريم إظهار المشاعر الحميمية فى مكان عام، فإن من حقه أيضًا تجريم العنف فى الأماكن العامة، هذا حق المجتمع ولا بد أن يجد له تجسيدًا فى تشريع قانونى، المشكلة ليست فى العريس فقط الذى رأى فيما جرى «حاجة عادية»، المشكلة أيضًا فى العروس التى دافعت ليس عن كرامته لكن عن سحق كرامتها بقولها: «أنا بأحب عبدالله، ومقتنعة به وكل حاجة، وطبعى إنى عصبية وهو عصبى جامد».

وإذن فنحن هنا لا نواجه ما يسمى «المجتمع الذكورى»، الذى يلح على الإشارة إليه الكثيرون، بل نحن نواجه «عبودية المرأة» الكامنة فى النفوس، ويذكرنى ذلك بقصة أنطون تشيخوف الرائعة «البدين والنحيف»، عن صديقين كانا يدرسان معًا ثم فرقتهما الحياة ثم يلتقيان بالمصادفة فى محطة قطار بعد أن أمسى البدين موظفًا كبيرًا فى الدولة بينما ما زال النحيف موظفًا صغيرًا جدًا. البدين الثرى يحتضن النحيف ويتذكر معه سنوات الدراسة وأيام الصداقة، لكن النحيف بروح العبد الجبان، ينحنى أمام صديقه القديم، ويخاطبه بقوله «صاحب السعادة» وهلم جرا، يندهش البدين وتفتر عواطفه تجاه صداقة الماضى.

يقول تشيخوف إن المشكلة لم تكن فى الطرف الأقوى، الأغنى، بل فى الطرف الأضعف، فى عبودية روح الموظف الصغير، أعنى بذلك أن المشكلة ليست فقط فى المجتمع الذكورى، ذلك الطرف الأقوى المسيطر، ولكنها أيضًا فى المجتمع النسائى الذى ما زالت تسكنه روح العبودية والخنوع وتأليه الرجل، وبهذه الروح تتحدث العروس عن رجلها الذى تحبه والذى سحق كرامتها علنًا فى الشارع، روح العبد المولع بسيده.

وفى هذا السياق نفسه وبهذه الروح علقت ياسمين عز، مقدمة برنامج «كلام الناس» على الحادث بقولها: «الرجل بطبعه حامى وحمش، وعلى المرأة أن تحتوى رجلها، فهو هدية ربنا لكِ على الأرض، ونعمة من ربنا عليكِ، فهذه العروسة بنت ناس وأصيلة ولمت دنيتها، ودارت على شمعتها».

ومعنى الكلام أن على المرأة أن تدارى على شمعتها التى يتضح فى أغلب الأحوال أنها شمعة زفت ضعيفة الإضاءة، حتى لو كان ذلك على حساب وجودها وكرامتها. هكذا يعيش المجتمع الذكورى سعيدًا بفضل مجتمع العبيد النسائى، وبينما يطالب الناس من زمن بعدم ضرب الحيوانات، فإن هناك حيوانات تبيح ضرب الناس لكن على خفيف.

وإذا أردنا أن نعالج المشكلة فلا بد من النظر إليها بوجهيها بصفتها علاقة تفاعل بين هيمنة رجل وعبودية امرأة، لسنا إذن فى مواجهة «مجتمع ذكورى» بل مجتمع تسكنه روح الخنوع لدى طرف وروح السيطرة لدى طرف آخر، وفى الحالتين يتجسد القبول بعلاقات مشوهة خارج دائرة الحب والتفاهم والود والاحترام، وكل المشاعر التى تميز الإنسان، أخيرًا يحضرنى هنا مثل كردى جميل يقول: «لا ترمِ المرأة ولو بزهرة».. فما بالك باللكمات والصفعات علنًا فى شارع عمومى!