رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شبح الحرب بين روسيا وأوكرانيا

 

يلوح مؤخرًا فى الساحة الدولية شبح الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتحذر أجهزة المخابرات الغربية من أن تلك الحرب إذا وقعت «ستكون على نطاق لم تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الأخيرة»، لأنها ستجر إليها أطرافًا كثيرة غير روسيا وأوكرانيا.

وبطبيعة الحال فليس للمنطقة العربية ناقة ولا جمل فى صراع المنافسة الاقتصادية ومد النفوذ بين حلف الناتو وروسيا، وعلى العكس من ذلك فإن الحرب ستؤدى بالنسبة لمصر على الأقل إلى توقف أو تأجيل عدة مشروعات، مثل المنطقة الصناعية الروسية فى قناة السويس الجديدة، وستفضى بالحتم إلى تدهور حجم التبادل التجارى مع روسيا، الذى بلغ أكثر من سبعة مليارات دولار عام ٢٠١٨، حتى إن مصر أمست الشريك التجارى الأول لروسيا بنسبة ٨٥٪ من حجم التجارة مع إفريقيا، مع ارتفاع قيمة الصادرات المصرية إلى نحو نصف مليار دولار، كما ستعرقل الحرب مواصلة العمل فى محطة الضبعة النووية، وأخيرًا فإنها ستوقف حركة السياح الروس التى تدر على القطاع السياحى نحو ثلاثة مليارات دولار سنويًا.

وعلى إيقاع طبول الحرب التى تقرع، تؤكد أجهزة المخابرات الغربية أن روسيا حشدت قرب حدودها مع أوكرانيا نحو مئة ألف جندى مع الدبابات والمدفعية، أما أوكرانيا فإنها لا تكف عن إطلاق صيحات الاستغاثة بحلف الناتو الذى تحاول الانضمام إليه، ولا يخفى على أحد أن الصراع بين حلف الناتو وروسيا قد اشتد منذ تفكيك الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١، والمساعى التى بذلها الحلف للسيطرة على الدول التى تطوق روسيا بحدود مشتركة، خاصة أوكرانيا.

وقد وجد الحلف سببًا للصراع يتجسد فى موضوع «شبه جزيرة القرم» التى استعادتها روسيا من أوكرانيا عام ٢٠١٤، وهى جزيرة روسية أصلًا، خاضت روسيا من أجلها حربًا مع تركيا لثلاث سنوات بين ١٨٥٣ و١٨٥٦، واستقرت الجزيرة تابعة لروسيا خلال حكم القيصرة كاثرين عام ١٧٨٣، وبعد تأسيس الاتحاد السوفيتى قام نكيتا خروشوف عام ١٩٥٤ بوضع القرم فى خريطة أوكرانيا على أساس تعديل الحدود داخل دولة سوفيتية واحدة، ومع تفكيك الدولة عام ١٩٩١ واستقلال أوكرانيا وغيرها، بدأ الصراع حول شبه الجزيرة، إلى أن استعادتها موسكو عام ٢٠١٤.

الاتهامات التى يوجهها الغرب إلى روسيا أنها تهدد أوكرانيا بالغزو، وأنها تدعم الانفصاليين الأوكرانيين فى الدونباس، أما روسيا فترى وتطالب الناتو بوضوح بوقف مناوراته العسكرية المشتركة مع أوكرانيا على حدودها، والكف عن إقامة بنية تحتية للناتو هناك، وعدم نشر قواته العسكرية. ويرد الناتو بأن ما يربطه بأوكرانيا مجرد «تحالف دفاعى لا يمثل تهديدًا لروسيا»! 

أخيرًا ربما تجدر الإشارة إلى أن الشعبين الروسى والأوكرانى من عرق وأصل سلافى واحد، وأن اللغة فى روسيا وأوكرانيا فرعان من اللغة السلافية، قريبان جدًا، علاوة على التاريخ الطويل المشترك على صعيد الثقافة والأدب والدين، بل إن العاصمة الأوكرانية الحالية كييف، كانت مهد أول حكومة روسية سميت «كيفسكايا روس» التى ظلت قائمة حتى عام ١٢٤٠، ولهذا لم يكن مستغربًا أن يظهر فى أوكرانيا حزب الكتلة الروسية عام ٢٠٠١، ومحور عمله الدعوة إلى دمج الدولتين فى دولة سلافية واحدة. ورغم أن طبول الحرب تدق فى أكثر من مكان فإن الأرجح أن يكون ذلك تصعيدًا للضغط لا يصل إلى درجة حرب سيخسر فيها الجميع الكثير سواء فى أوروبا أو روسيا.