رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يحاول الغنوشى إعادة الحياة للبرلمان التونسى؟

«ارحل.. لماذا جئت للبرلمان وقد بقيتم 10 سنوات؟.. ألا تستحي؟.. ارحل»، جملة صرخ بها أحد أنصار الرئيس التونسي قيس بن سعيّد، في وجه النائب عن حزب النهضة محمد القوماني، الوحيد الذي لبّى دعوة أكثر من ثمانين نائباً من حزبه، ومن حليفه السياسي حزب «قلب تونس»، للتجمع أمام مقر البرلمان الذي يضم 217 مقعداً.. وقد نشر راشد الغنوشي، زعيم النهضة ورئيس مجلس النواب المجمدة أعماله، بياناً أعلن فيه أن البرلمان في حالة (انعقاد دائم)، داعياً أعضاءه إلى استئناف الجلسات.. فلماذا يتمسك الغنوشي وقبيله بوجودهم في البرلمان، ورفضهم كل ما جاء به الرئيس بن سعيد من قرارات لإصلاح تونس؟.

ملفات فساد حركة النهضة، وزعيمها الغنوشي، متعددة.. ليس آخرها، اتهام وزير الدولة الأسبق في حكومة إلياس الفخفاخ- المسئول عن الحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو- حركة النهضة بالفساد والانحراف وتدمير البلاد، سياسياً واقتصادياً، طيلة السنوات التي تلت سقوط حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.. قال الوزير: «إن ضمير حركة النهضة مات.. بعد أن تحول قادتها من مناضلين في فترة حكم بن علي إلى منحرفين طيلة السنوات الأخيرة».. فحركة النهضة من أكثر الأحزاب تورطاً في الفساد.. سعت للإطاحة بحكومة الفخفاخ لأنها كانت تشكل خطراً عليها، بسبب ملفات الفساد التي تلاحقها، وبسبب رفض رئيس الوزراء المستقيل- الفخفاخ- القيام بتعيينات لأتباعها في مفاصل الدولة.

كان من المفروض اعتقال المئات من حركة النهضة بتهم الفساد والسرقة والتحايل، وتدمير حياة التونسيين، وإفساد المناخ الاقتصادي والحياة السياسية.. فغاية هذه الحركة الوحيدة هي البقاء في الحكم، والانغماس في الفساد.. فقد أحال الوزير محمد عبو، إلى النيابة العامة، ملفاً يتعلق بامتلاك حركة النهضة أربع محطات تليفزيونية، بالمخالفة للقانون.. كما أنها واجهت تهماً، بينها غسيل الأموال.. لكن شيئاً لم يتحرك.

ذات الاتهام.. وجهه منجي الرحوي، النائب عن حزب الوطنيين الموحد، لحركة النهضة وحليفيها، حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة، بتبييض الفساد، من خلال استغلال ترؤس قلب تونس للجنة المالية بالبرلمان، (لتمرير مشروع قانون يتعلق بالتنشيط الاقتصادي، للعفو عن المتهرّبين من أداء واجبهم الضريبي، وللمصالحة مع من هرّبوا أموالا طائلة إلى الخارج).. هذا القانون- الإنعاش الاقتصادي- قانون خطير، لأنه يتضمن مواد تخدم لوبيات بعينها ومنتفعين من التهريب.. (أي أنه قانون إنعاش للمتنفذين، أصدقاء حركة النهضة وقلب تونس، اللذين يعملون على تبييض الفساد).. فهو يتضمن فصلاً للمصالحة، يتضمن في جزئه الثاني عفواً عن هؤلاء المهربين، عبر عفو جنائي وضريبة تحررية، بموجب سدادهم 10% فقط من الضرائب المستحقة عليهم قانوناً.. إلى جانب ذلك، فإن قانون (المصالحة الإدارية) ينص على العفو عن الموظفين العموميين بشأن أفعالهم المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، إذا لم تكن تهدف إلى تحقيق منفعة شخصية!!.

«بارونات الخارج»، ممن يتحكمون في تحديد أسعار العُملات، هم من كانوا يضغطون على البرلمان، برئاسة الغنوشي، لتمرير قانون المصالحة المالية، بعد تحويل مكاسبهم وممتلكاتهم إلى الخارج، في خرق واضح للقانون.. أما لماذا تأتّى هذا الضغط؟.. فلأن القانون الجديد يعفو، بشكل نهائي، عن نحو أربعمائة من رجال الأعمال المتهمين في قضايا فساد.. وهو ما أثار احتجاجات كبيرة، منذ إرساله للبرلمان عام 2015، من ممثلي المنظمات الشبابية، وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني، التي رفضته، واعتبرته تبييضاً للفساد.. قبل أن تتم المصادقة عليه، بأغلبية مئة وسبعة عشر نائبا.

لم يتوقف فساد النهضة عند مشاهده المالية، بل تجاوز ذلك إلى الأخطر.. فساد تحالفات السياسة، الذي يتستر على جرائم الإرهاب.. مثال هذه التحالفات، ترجمها التقارب الغريب بين حركة النهضة وحزب قلب تونس الليبرالي، الذي واجه رئيسه قطب الإعلام، نبيل القروي، تهماً بالفساد وتبييض الأموال، في محاولة للسيطرة على الحكم والتغطية على هذه الملفات.. هذا التحالف، الذي جمع أضداد السياسة وقرب وجهات نظر خصومها، وصفه متابعون بـ(التحالف الهجين)، الذي تحركه هواجس مشتركة، من فتح ملفات الطرفين، التي قد تُنهي مسيرتهما السياسية.. إذ يبحث الغنوشي عن شريك يُحمله مسئولية فشل حركته، مثلما اعتاد منذ عام 2011، ويغطي به ملفات الإرهاب والاغتيالات الملتصقة بها.. بينما يسعى القروي إلى التواجد ضمن الفريق الحكومي، ليضمن من خلاله حصانة سياسية، ضد إمكانيات الملاحقة القانونية من جديد، بحثاً عن الحماية القضائية، والاستفادة من نفوذ الغنوشي داخل بعض الدوائر القضائية.

اختارت النهضة (تحالف الضرورة)، أو (تحالف المصالح)، القائم على أهداف محددة قد ينتهي بانتهائها، وناورت في تشكيل الحكومة بحزب قلب تونس.. لأن قلب تونس لم يجد أمامه غير حركة النهضة للتحالف معها، بعد أن رفضت باقي الأحزاب التعامل معها، على خلفية ما عُرف عن حركة النهضة من براجماتية.. وهو ما حتم عليها التحالف مع قلب تونس، رغم التباعد الأيديولوجي والسياسي بينهما، ورغم تأكيدهما سابقاً أنهما لن يتحالفا.. تحالف لا يستند إلى برامج أو تصورات سياسية، بقدر ما هو التقاء ظرفي، فرضته مجموعة من التطورات السياسية.. فقد اعتادت حركة النهضة أن تبحث لها دائماً عن حليف تحتمي به، للتغطية على القضايا والشبهات التي باتت شبحاً يلاحقها، خصوصاً المتعلقة منها بملفات الإرهاب والاغتيال والجهاز السري.

لم تعد حركة النهضة قادرة على العمل داخل دولة القانون والمؤسسات، دون الحصول على مكاسب وغنائم تستفيد منها، فهي ترى «في الحكم غنيمة.. وأن السياسة لا تخضع لمبادئ وأخلاق» فهي- أي النهضة- تسعى وراء مصالحها فقط، خصوصاً أنها كونت تحالفاً حزبياً داخل الحكم، وبالتوازي صنعت تحالفاً برلمانياً مع معارضيه!.. وهنا يرى زهير المغزاوي، أمين عام حركة الشعب الشريك السابق لحركة النهضة في الحكم، أن «النهضة حركة انتهازية.. انقلبت على جميع تعهداتها التي قطعتها لناخبيها، وفي مقدمتها شعار، مقاومة الفساد، وعدم التحالف مع قلب تونس، مهما كانت الظروف.. وهذا ليس جديداً عليها؛ فهي من ساندت رئيس الجمهورية، قيس بن سعيد، في مواجهة منافسه نبيل القروي، خلال الحملة الانتخابية، ثم انقلبت عليه لاحقاً، وتحالفت مع القروي، لتكوين وفاق معارض له، ولتشويهه عبر السوشيال ميديا»!.

وعلى خلفية نشر مقطع ترويجي مصور لإحدى القنوات التونسية، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعنوان «كشف أسرار النهضة»، معلنة شروعها في بث سلسلة تحقيقات استقصائية حول علاقة حركة النهضة بالمال، وتفكيك لغز تمويلها، والدور المحوري لعائلة الغنوشي.. بدأت الحركة حلقة جديدة من تصفية الخصوم.. إذ صدر قرار بمنع سفر الإعلامي سامي الفهري، وزوجته أسماء الفهري، بعد إعلانهما بث تحقيقات استقصائية على قناة «الحوار»، تتناول كل العمليات المالية لحركة النهضة، وما إن كانت تتم في إطار القانون والشفافية أم لا.. وهل كانت تخلو من الفضائح القانونية والأخلاقية.. وكيفية تحكم عائلة الغنوشي في القرار داخل النهضة.

وقد نشرت صحف تونسية تسريبات عن الحلقات.. إذ أشار موقع «بيزنس نيوز» الإخباري، إلى أن أولى حلقات هذه السلسلة كشفت «فضائح النهضة»، وجاءت للحديث عن التجاوزات والفساد المالي الذي قام به صهر الغنوشي، رفيق عبدالسلام، الذي شغل منصب وزير الخارجية.. واستعان مقدم الحلقة بالمحامي الطيب بالصادق، الذي كشف له التصرفات غير القانونية لصهر زعيم الحركة، والذي قام بطرد كل من واجهه بأن تصرفاته مخالفة للقانون.. وأفاد المحامي بأن الكثير من القضاة تضرروا في قضية «الشيراتون»، التي تناولت فساد عبدالسلام المالي، حتى إن القاضي الذي قام بالاستماع إلى الصحفية الشاهدة في القضية تمت معاقبته بعقوبة لا تليق بقاضٍ!.ِ
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.