رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغنوشى.. اللاعب على كل الحبال

ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية يوم السبت الماضي، أن السلطات التونسية بدأت التحقق من عقد، يُعتقد أن حركة النهضة الإخوانية وقعته مع شركة أمريكة للعلاقات العامة، للدعاية لها، بعد أيام من تولي الرئيس التونسي، قيس بن سعيد مقاليد السلطة في البلاد.. ونشر موقع وزارة العدل الأمريكة وثيقة عقد بين (الوكالة الدولية للاتصالات- بيرسون كوهن آند وولف) ومؤسسة متمركزة في لندن، تحمل اسم (النهضة بارتي دياسبورا جروب).. وهذا ما كنا قد أشرنا إليه في كتابنا (الغنوشي والإخوان.. صفقة الشيطان)، الذي صدر في ديسمبر 2020.. وقلناـ وقتهاـ إن الغنوشي مُغرم بصورته في الخارج، حتى ولو أنفق في سبيل رسمها بالشكل الذي يريده، ملايين الدولارات.. فقد نشر موقع وزارة العدل الأمريكية، وثيقة في أكتوبر 2019، ركزت على شبهات تتعلق بإبرام راشد الغنوشي عقدًا سخيًا، تصل قيمته إلى نحو 1.83 مليون دولار، مع شركة علاقات عامة (The House)، مملوكة لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، لترويج صورته شخصيًا، وليس ترويج صورة تونس أو حتى حركة النهضة.. وهو الرجل الذي يتحدث عن دور صندوق الزكاة في مساعدة المحتاجين، فإذا به- وفي مشهد متناقض- ينفق الأموال على شركات غربية، تُحسن صورته التي أصبحت مهزوزة، بعد فشل حركة النهضة خاصة، والإخوان بعامة، في تحقيق مآرب الغرب، من وراء ما أسموه (ثورات الربيع العربي).
جاء في الكتاب، الحديث عن إنفاق الغنوشي لأموال طائلة، في حملة الترويج لصورته، في وقت تعيش فيه تونس أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، مع تباطؤ نمو الاقتصاد التونسي إلى 1.1%، سنويًا،  فيما سجل معدل البطالة بالبلاد 15.1%.. مما دعا المحتجين من خريجي الجامعات، العاطلين عن العمل لاقتحام مبنى البرلمان، للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم، بعد ما يزيد على أسبوعين من اعتصامهم أمامه.. وهدد المحتجون بسكب البنزين على أجسادهم وحرقها، كما سبق وأن فعلها محمد البوعزيزي، في بدايات ما أسموه، ثورات الربيع العربي.. وجاء هذا الإجراء، بعد تعاقد حركة النهضة مع شركة بريطانية تسمى (BCW) للتسويق والإعلام، بمبلغ 18 مليون دولار، أي حوالي 54 مليون دينار تونسي، لتمويل حملتها الانتخابية لسنة 2019، حيث ذكرت مجلة (جون أفريك)، أن المؤسسة البريطانية شرعت في تنفيذ خطة عمل لتنظيم لقاءات إعلامية لقيادات النهضة والتعريف ببرنامجها للانتخابات القادمة.. كما أثار تصديق شورى حركة النهضة، على ميزانية الحزب لعام 2019، بقيمة 6.5 مليون دينار، مقابل 6 ملايين دينار في 2018، شكوكًا كثيرة حول أموال الحركة ومصادر تمويلها، نظرًا للتهم التي تطارد الحركة بتلقي تمويلات مشبوهة من تركيا وقطر، واستفادتها من الهبات والمساعدات الكبيرة التي تلقتها تونس زمن حكم النهضة، في الفترة الممتدة بين 2012 و2014.
طبقًا لمصادر خاصة بموقع (العين الإخبارية) الإماراتي، فإن ثروة الغنوشي تتقاطع مصادرها مع أموال التنظيم الدولي للإخوان، وتغذيها شبكات التهريب وتبييض الأموال في المنطقة.. وقد أوضحت هذه المصادرـ المقربة من حركة النهضةـ أن حصة الغنوشي من الريع الإخواني، قد تصل قيمتها إلى أكثر من مليار دولار.. ولذا، فإن الغنوشي يقود إمبراطورية من الشركات الاقتصادية والإعلامية من وراء الستار، يساعده في ذلك صهره رفيق عبدالسلام وابنه معاذ.. مظاهر الثراء الفاحش دفعت رفقاء دربه إلى الاستقالة، وتضمين استقالتهم بنصوص تُشهر بإمبراطورية الظل التي تقودها عائلة الغنوشي.. إذ اتهم زبير الشهودي، أحد قياديي الحركة الإخوانية وأمين سرها، في رسالة علنية، عائلة الغنوشي بـ(الفئة الفاسدة والمفسدة)، ودعاه فيها إلى ضرورة الاستقالة والابتعاد عن العمل السياسي.. نفس الاتهام أعاد ترديده الرجل الثاني للحركة عبدالحميد الجلاصي، الذي لمّح في نص استقالته مطلع 2020، إلى وجود أخطبوط فساد يحركه راشد الغنوشي وعائلته المقربة.. وكشف الناشط السابق في الحركة الإسلامية بتونس، محمد الصغير السعيدان، أن عائلة الغنوشي تملك بعض القنوات التليفزيونية في تونس على غرار قناة (الزيتونة)، التي تواجه ملاحقة قضائية عن مصادر تمويلها.
وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية، بدورها، في يوليو 2018، الدور الذي لعبته تمويلات من أجهزة خفية ومنظمات المجتمع المدني البريطاني، بهدف تخفيف غضب الشباب التونسي على سياسات حركة النهضة، وإعادة تلميع صورة الإخوان، التي شهدت تراجعًا كبيرًا في الشارع التونسي، خصوصًا بعد ظهور قضية التنظيم السري للنهضة.. ورغم إنكار إخوان تونس لتلقيهم أموال من الخارج، والاكتفاء بتمويلات أتت من هبات مريديهم وتبرعات مالية داخلية، فإن حججهم لم تقنع التونسيين، الذين يعرفون مدى ارتباط الإخوان بالتحالف التركي القطري، الذي يدعم استمرارهم في تونس ويساعدهم، عبر ضخ الأموال للدفاع عن مصالحهم.
هذا الرجل السبعيني، الذي اقتنص مقعد رئاسة البرلمان في البلاد، كان يستعد لتشديد قبضته على مفاصل تونس، قبل أن تأتي الرياح بما لا تشتهيه سفنه.. وقبل أن تحدث الانقسامات، التي لم يفجرها فقط انفراد الغنوشي برئاسة الحركة، لمدة تقارب خمسين عامًا، دون إدخال أي نفس ديمقراطي، بل لوجود صراعات أعمق مرتبطة بالصندوق الأسود لتمويل الحركة، والتناحر الداخلي على غنائم الدولة التونسية.. وقد عكس قرار الغنوشي المفاجئ، منتصف مايو 2020، بحل المكتب التنفيذي لحركة النهضة الإخوانية، عمق الأزمة التي تعيشها الجماعة الإرهابية، التي تواجه بالفعل مقاومة جادة من قوى المعارضة المدنية في البلاد، لأن الغنوشي، كما تقول الأحزاب (أصبح يمثل خطرًا على البلاد، وتنحيته من على رأس مجلس النواب ضرورة وطنية، لا تقل عن واجب محاربة الاحتلال الأجنبي، ويجب محاسبته وكل الإخوان على جملة الجرائم التي ارتكبوها في حق التونسيين منذ عام 2011).
الكاتب والصحفي قصي صالح درويش، أكد في كتابه (حوارات قصي صالح درويش ـ راشد الغنوشي)، الصادر في لندن 1992، أن الغنوشي اعتاد اللعب على الحبال، وتغيير الأقنعة والتقلب في المواقف، ليدافع عن التعددية الفكرية.. إلا أنه لا يلبث أن يتخلى عن موقفه المتفتح هذا، ليعلن دون تردد أو مواربة، وناطقًا بما يحاول إخفاءه خلف الأقنعة التي يتقن استعمالها، بحسب الظروف والمصالح.. و(المتتبع لمسيرة الغنوشي، منذ ظهوره مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وحتى الآن، سرعان ما يتبين أن هذا الرجل لا يثبت على موقف، وأنه يُسرع في تغيير آرائه بحسب ما تقتضيه الظّروف والمناسبات والمصالح.. وأنه لم يُبدل مخططه الذي لم يتخل عنه أبدًا، ألا وهو تدمير المشروع الإصلاحي الحداثي الذي تميزت به تونس، منذ منتصف القرن التاسع عشر، بهدف إقامة نظام ديني، يتماشى مع أهوائه وأفكاره وأطروحاته الأصولية).. ولذا، نراه، وبعد أن عجز عن حشد أنصاره في الشارع التونسي، في مواجهة قرارات الرئيس ابن سعيد، تراجعًا كبيرًا في لهجته، وقال في بيان نشرته صفحة تابعة لحركة النهضة، (إن إجراءات الرئيس قيس بن سعيد، يجب أن تتحول إلى فرصة للإصلاح).. وهذه هي طبيعة الغنوشي.. المناورة، انتظارًا لفرصة سانحة!.
حفظ الله مصر وتونس من كيد الكائدين.. آمين.