رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة تأسيس المدارس القبطية فى مصر

فى الوقت الذى كانت فيه الدولة - على مر العصور - عاجزة عن نشر التعليم، كانت الهيئات والجمعيات، إسلامية ومسيحية، هى التى تتولى الجانب الأكبر من هذه المهمة الخطيرة. 
أخذ إسهام الأقباط فى تطوير الثقافة والتعليم فى مصر، بعد عزل الخديو إسماعيل سنة 1879 وحتى سنة 1924، أربعة أشكال: 
1. الشكل التعليمى وذلك بتأسيس المدارس العامة، والفنية الصناعية، وأنتقاء القائمين عليها من مديرين ومدرسات ومدرسين، والشكل التعليمى الدينى الخاص بإنشاء المدرسة الإكليريكية سنة 1893، وبدء حركة مدارس الأحد بالكنائس والجمعيات، وإنشاء مدرسة الرهبان اللاهوتية بحلوان، وإصدار العديد من المجلات الدينية الخاصة كمجلة الكرمة لصاحبها حبيب جرجس، ومجلة عين شمس لصاحبها أقلاديوس بك لبيب العالِم الجليل فى اللغة القبطية، والمجلة القبطية لصاحبها المؤرخ القدير جرجس فيلوثاؤس عوض.
2. الشكل الثقافى العام وذلك إنشاء الصحف، والإسهام فى إنشاء الجامعة الأهلية، والمشاركة فى حركة التأليف والترجمة والنشر، وإقامة المعارض والمتاحف وفى مقدمتها المتحف القبطى بمصر القديمة الذى أسسه مرقس باشا سميكه (1864 – 1944م) كما أنه أهتم بتأسيس جمعية الآثار القبطية الكائنة بشارع رمسيس بجوار الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، وإنشاء المكتبات. 
3. الشكل الاجتماعى وذلك بتأسيس المجلس الملى العام والمجالس الفرعية لخدمة النواحى الاجتماعية والتعليمية، وإنشاء المؤسسات الخيرية كالجمعيات ومن أشهرها جمعية مارمينا العجائبى بالإسكندرية للدراسات القبطية والتى أوحى بتأسيسها فى عام 1943 الراهب مينا البراموسى المتوحد (فيما بعد البابا كيرلس السادس) وقد تأسست الجمعية فى 24 نوفمبر 1945 للنهوض بالدراسات القبطية، والمشاغل والمستشفيات منها المستشفى القبطى بالقاهرة والمستشفى القبطى بالإسكندرية، وإقامة النوادى، وإقامة الأسواق الخيرية لخدمة أغراض البر.
4. المدارس القبطية – ونعنى بها المدارس القبطية التى أسسها البابا كيرلس الرابع (1816 – 1861م) البطريرك 110 ثم تبعه البابا كيرلس الخامس (1824 – 1927م) البطريرك 112. فما كاد البابا كيرلس الرابع يتسلم منصب البطريركية فى سنة 1854 حتى سارع إلى إنشاء المدرسة الكبرى للبنين فى الدرب الواسع – الأزبكية – بجوار البطريركية والكاتدرائية الكبرى، وباشر البناء بنفسه حتى بحلول سنة 1855 تم أفتتاح المدرسة وقبول الطلاب من مختلف الأديان وجعل التعليم مجانياً (وبذلك كان سابقاً فى فكره للدكتور طه حسين). ولما رأى البابا أن بعض الطلبة يقيمون فى جهات بعيدة، أنشأ لهم مدرسة وكنيسة بحارة السقايين بعابدين. وكان الطلبة – فى كلتا المدرستين – يتلقون إلى جانب اللغة العربية، اللغة القبطية (كلغة قومية) واللغتين الإنجليزية والإيطالية والحساب والهندسة والعلوم الأخرى. ثم بموافقة سعيد باشا إلتحق بعض تلاميذ المدرسة القبطية فى مدارس الطب والهندسة وغيرها من المدارس. ثم سارع بإنشاء أول مدرسة قبطية للبنات فى مصر بل وفى الشرق العربى كله (وبذلك كان سابقاً لقاسم أمين فى فكره المستنير) بجوار البطريركية بالأزبكية. ثم توالت بعد ذلك مدارس أخرى: مدرسة البنات بحارة السقايين بعابدين، مدرسة المنصورة للبنين بالمنصورة، مدرسة بوش للبنين بعزبة أوقاف دير أنبا أنطونيوس ببوش.
أما البابا كيرلس الخامس الذى جلس على الكرسى المرقسى فى عام 1874م، فبدأ بإنشاء قسم ثانوى سنة 1878م بمدرسة الأقباط الكبرى بالأزبكية، وفى تلك السنة أسس بجوار الكنيسة المرقسية الكبرى بالإسكندرية مدرسة المرقسية الثانوية وكانت من كبرى مدارس الإسكندرية، كما كانت نتائجها ممتازة، وتخرج فيها العديد من رموز المجتمع أقباطاً ومسلمين، وظلت تحت إدارة البطريركية حتى عام 1992 حينما طلبت البطريركية – للأسف الشديد - تحويل مقر المدرسة إلى ديوان بطريركى !! وبناء مدرسة أخرى بجوارها تحمل نفس الاسم لكن تحت أشراف الحكومة. 
وفى سنة 1903 قام البابا كيرلس الخامس بتأسيس مدرسة صناعية فى بولاق وعاونه فى تأسيسها عالم كبير هو "وهبى بك تادرس" الذى كان مربياً فاضلاً وفناناً فقد قام بترجمة عدد من الروايات التمثيلية منها "تليماك" للمفكر الفرنسى "فولتير". كانت المدرسة الثانوية بالإزبكية أول مدرسة ثانوية أهلية بالقطر فى وقت لم توجد فيه سوى مدرستان ثانويتان أخريتان هما الخديوية والتوفيقية، ثم كانت المدرسة المرقسية بالإسكندرية ثانٍ مدرسة ثانوية أهلية. 
فى عهد الآباء البطاركة تولى إدارة المدرسة المرقسية الثانوية بالإسكندرية صفوة من رجال التعليم أذكر منهم د. مترى أمين أستاذ اللغة الإنجليزية، الأستاذ صبحى إسكاروس أستاذ الفيزياء وغيرهما.
ما أن جلس البابا كيرلس السادس (1902 – 1971) البطريرك 116 على الكرسى المرقسى فى 10 مايو 1959 حتى بادر بزيارة المدرسة المرقسية والألتقاء بإدارة المدرسة والطلاب وكانت الزيارة فى 10 ديسمبر 1959، حيث حرص على زيارة طلاب المدرسة فى وقت حصة اللغة العربية وأثنى على الشيخ الأزهرى مدرس اللغة العربية، ثم زار معمل الكيمياء وشاهد بنفسه إجراء إحدى التجارب العملية، ثم تفقد حجرة ناظر المدرسة ومكتبة المدرسة، كما جلس مع إدارة المدرسة وهيئة التدريس وأعضاء المجلس الملى السكندرى بقيادة المستشار فريد بك الفرعونى (1905 – 1998) وكيل المجلس الملى السكندرى، والأستاذ البرت برسوم سلامة سكرتير مجلس ملى الإسكندرية فى عصره الذهبى، ليطمئن على أحوال المدرسة وأنتظام الدراسة. أيضاً حرص البابا شنوده الثالث (1923 – 2012) البطريرك 117 على زيارة المدرسة – وبصفته مدرس سابق – فقد شارك فى توجيه أسئلة للطلاب مع دعابته اللطيفة التى كان يشتهر بها. 
وهكذا شارك الأقباط – تحت قيادة بطاركتهم الوطنيون، فالوطنية الصادقة ليس بالشعارات والعبارات الجوفاء ولكنها فعل وعمل فى نفوس الآباء البطاركة الصادقين فى وطنيتهم – فى إثراء العملية التعليمية بتأسيس مدارس ومتابعة الدراسة بها وتوفير كل مستلزماتها.