رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لدى أوباما أقوال أخرى



بعد مرور سنتين على موعد نشره، صدر الجزء الأول من مذكرات الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والتى اختار لها عنوان «أرض موعودة»، A Promised Land، وزعم فيها أن كل الذين انتقدوه وهاجموه، لم يفعلوا ذلك إلا لأنه أسود، يحمل اسمًا مُسلِمًا، ويعيش فى الحى نفسه الذى عاش فيه لويس فرخان، زعيم حركة أمة الإسلام.
لا جديد فى الـ٢٠٠ صفحة الأولى، مجرد تكرار لما جاء فى كتابه الأول «أحلام من أبى» الذى أصدره سنة ١٩٩٥، بعد انتخابه رئيسًا لمجلة هارفارد للقانون، وخلال تحضيره لانتخابات مجلس شيوخ ولاية إلينوى. وتكرار، أيضًا، لأجزاء من كتابه الثانى «جرأة الأمل»، الصادر سنة ٢٠٠٦ قبل خوضه منافسات انتخابات الرئاسة، واقتناصه ترشيح الحزب الديمقراطى ليكون أول مرشح، ثم أول رئيس أمريكى من أصول إفريقية أو من ذوى البشرة السمراء، وأول رئيس فى العالم، والعوالم المجاورة، يحصل على جائزة نوبل للسلام، بعد ١٠ أشهر من توليه الرئاسة.
الرئيس الأمريكى الرابع والأربعون، يزعم أنه خاطر بترك عمله المجزى فى المحاماة، ليمارس العمل السياسى، ليس من أجل السلطة، ولكن لمحاولة التغيير، انطلاقًا من معاناته الدائمة، ككل ذوى البشرة السمراء، فى مجتمع تهيمن عليه أكثرية بيضاء، وما زال شديد العنصرية رغم إنهاء الرق رسميًا منذ نحو ١٥٠ سنة. وفَاتَه أن يشير إلى أن شيئًا لم يتغير بعد صعوده إلى أعلى منصب تنفيذى فى البلاد، وأن سنوات حكمه الثمانى أصابت السود والبيض بخيبة أمل.
إنجازه الأهم، فى رأيه، كان تعامله مع أزمة ٢٠٠٨ المالية العالمية، التى تسببت فيها البنوك الأمريكية، وأضرت باقتصاد معظم دول العالم. لكنه أقر بأنه اضطر إلى الاستعانة بالخبراء المخضرمين الذين شارك بعضهم فى صنع الأزمة، وإلى التنازل عن أفكاره الطموحة فى التغيير الهيكلى لكوادر الدولة. وأقر أيضًا بتراجعه عن اتخاذ إجراءات جذرية لتنظيم الاقتصاد على أسس جديدة، بسبب تحذير الخبراء من إمكانية حدوث انهيار شامل للنظام الرأسمالى.
تفاصيل كثيرة عن صراعه مع الجمهوريين لإقرار برنامج توسيع مظلة الرعاية الصحية، الذى صار معروفًا باسم «أوباما كير»، وعن الحرب المستمرة فى أفغانستان، وعن قراره بسحب القوات الأمريكية من العراق و.. و..، وعن الاتفاق النووى الذى أبرمه مع إيران والذى مهّد له باتهام أسلافه بأنهم نظروا إلى الطموحات الوطنية على أنها مؤامرات شيوعية، وخلطوا بين المصالح الاقتصادية والأمن القومى، وخططوا لانقلابات وأسقطوا حكومات.
أقر بأن بلاده أسست قواعد علاقات خاطئة مع الدول النامية طيلة مرحلة الحرب الباردة، منذ أن أعطى الرئيس أيزنهاور الضوء الأخضر للانقلاب، الذى خططت له المخابرات الأمريكية والبريطانية، وأطاح برئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق، ردًا على قيامه بتأميم النفط الذى كانت عائداته تذهب إلى جيوب الحكومة البريطانية. وبقدر كبير من السطحية، تناول قصة الثورة الإيرانية، وصولًا إلى جهوده التى أسفرت عن تعبئة الأسرة الدولية لفرض عقوبات قاسية جماعية ضد إيران، دفعتها إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات وصولًا إلى توقيع الاتفاق النووى.
بسطحية أكبر، نعتقد أنها مقصودة، تناول أوباما ما يوصف بـ«الربيع العربى»، وحكى حواديت امتزج فيها الكذب بالتدليس. وكان لمصر، طبعًا، نصيب من تلك الحواديت. وتكفى الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ورد ذكره ٧٥ مرة، فى سياقات مختلفة، يتعلق بعضها بمحادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ويخص أغلبها تعامل الإدارة الأمريكية مع المظاهرات التى أطاحت به. ولا نبالغ إذا قلنا إن نسبة الكذب، فى هذه وتلك، تقترب من النصف، بينما سيطر التدليس على النصف الآخر. ومن ذلك، مثلًا، زعمه أن نائبه، جو بايدن، ووزير دفاعه روبرت جيتس، ووزيرة خارجيته هيلارى كلينتون حذروه من التخلى عن مبارك.
ينتهى الجزء الأول من «أرض موعودة» فى الساعات الفاصلة بين أول وثانى أيام شهر مايو ٢٠١١، وتحديدًا تلك الليلة، التى كان على أوباما أن يتخذ فيها قراره بشأن تصفية أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، فى باكستان. والأرجح، أنه اختار تلك النهاية، ليبرر موقف نائبه، جو بايدن، الذى هُوجم بسبب معارضته تلك العملية، والذى وصفه أوباما بأنه «لائق وصادق ومخلص ويمكن الوثوق به فى أوقات الشدة، لكنه قد يثير مشكلة كبيرة إذا اعتقد أنه لم يأخذ حقه من الاحترام». ما يعنى أن عيوب «الرئيس المحتمل»، تتلخص فى كونه أحمر الخدين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن أوباما أشاد بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وامتدح بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وهاجم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وتهكم على ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، وقال إن الذين انتقدوا دور الولايات المتحدة فى العالم، ما زالوا يعتمدون عليها للحفاظ على النظام الدولى واقفًا على قدميه.