رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محاكمة إرهابى أدانته السينما!


عن كتاب عنوانه «قطار ١٥:١٧ إلى باريس»، أخرج النجم الأمريكى الشهير كلينت إيستوود، فيلمًا بالعنوان نفسه، سنة ٢٠١٨، لعب فيه راى كوراسانى، Ray Corasani، دور أيوب الخزانى، الذى تجرى محاكمته، هذه الأيام، فى العاصمة الفرنسية باريس، عن عملية إرهابية فاشلة حاول تنفيذها فى قطار كان متجهًا من هولندا إلى فرنسا.
انطلق القطار من أمستردام، كما هو واضح من عنوان الكتاب والفيلم، فى الثالثة و١٧ دقيقة، بعد ظهر ٢١ أغسطس ٢٠١٥، واستقله الخزانى من محطة قطارات بروكسل، ودخل الحمام وخلع قميصه ووضع بندقية كلاشنيكوف على كتفه، ومسدسًا على أحد جانبى خصره، وحقيبة بها ٢٧٠ رصاصة، وتسع خزنات، على الجانب الآخر. ولسوء حظهما، كان راكبان ينتظران أمام الحمام، ووجدا نفسيهما أمام رجل مسلح، عارى الصدر، فانقض أحدهما عليه وتمكن الآخر من الإمساك بالبندقية، غير أن الخزانى تمكن من انتزاع مسدسه وأطلق عليهما النار واستعاد بندقيته.
الضجيج الذى أحدثه هذا الصراع السريع، لفت انتباه ثلاثة أمريكيين، بينهم جنديان، كانوا على متن القطار، فانقضوا على الخزانى وتمكنوا من السيطرة عليه، بعد أن أطلق عدة طلقات. والثلاثة: أنتونى سادلر، ألك سكارلاتوس، الجندى فى الحرس الوطنى، وسبنسر ستون، الجندى فى سلاح الطيران، منحهم الرئيس الفرنسى السابق، فرانسوا هولاند، وسام «جوقة الشرف» بدرجة فارس، وحصلوا على «وسام الشجاعة» من وزارة الدفاع الأمريكية، كما قاموا بتأليف الكتاب، الذى أشرنا إليه فى البداية، ولعبوا الأدوار الرئيسة، أدوارهم، فى فيلم كلينت إيستوود.
الخزانى، من أصول مغربية، هاجر إلى إسبانيا، سنة ٢٠٠٧، عندما كان فى الثامنة عشرة. وذكرت المخابرات الإسبانية أنه تم اعتقاله ثلاث مرات بتهمة الاتجار فى المخدرات، آخرها سنة ٢٠١٢، قبل أن تظهر عليه علامات التطرف. ثم أظهرت التحقيقات الفرنسية أنه كان يقاتل مع تنظيم «داعش» فى سوريا، وغادرها إلى أوروبا، عبر تركيا، أوائل مايو ٢٠١٥، مع قائده عبدالحميد أباعود، الذى أدار من بلجيكا اعتداءات ١٣ نوفمبر: سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعى وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن فى العاصمة الفرنسية.
منذ أن بدأت الموجة الإرهابية، سنة ٢٠١٥، شهدت فرنسا أكثر من ٢٠ عملية إرهابية، لا نعتقد أننا تجاوزنا حين قلنا، فى مقال سابق، إن ضحاياها دفعوا ثمن تراخى السلطات الفرنسية فى مواجهة الإرهاب، وتسامحها، ولن نقول تواطؤها، مع التنظيمات، المنظمات، والجمعيات الإرهابية، وسماحها بدخول المال التركى والقطرى، استثمارًا وتخريبًا. وما زال الفرنسيون يدفعون الثمن، وما زالت حكومتهم تبحث عن الطريقة الأنسب للتعامل مع الإرهاب، ومع مواطنيها الذين ذهبوا، أو تم إرسالهم، إلى البؤر المتوترة فى سوريا والعراق وانضموا إلى داعش، وغيره من التنظيمات الإرهابية.
الغريب، هو أن الخزانى تمكن من الصعود إلى القطار وهو يحمل كل هذه الأسلحة دون أن يواجه أى صعوبة. ما يكشف عن تقصير وثغرات أمنية، لا تزال موجودة. والأغرب، هو أن دعاوى قضائية عديدة اتهمت الحكومة الفرنسية بالتقصير، بعد حادث الدهس، الذى شهدته مدينة نيس، سنة ٢٠١٦، ومع ذلك تكرر الاتهام نفسه، وأكده مسئولون فرنسيون، سابقون وحاليون، بعد العمليات الإرهابية الثلاث التى ضربت فرنسا، خلال الشهر الماضى.
بعد فشل عملية القطار، ادّعى الخزانى أمام جهات التحقيق أنه لص وليس إرهابيًا، زاعمًا أنه عثر على الأسلحة فى حديقة قريبة من محطة قطارات بروكسل، حيث كان ينام مع مشردين، وأنه كان ينوى، فقط، السطو على ما يحمله ركاب القطار. وبعد حوالى عام ونصف العام تقريبًا، طلب الإدلاء بأقواله، وأقر بانتمائه إلى تنظيم إرهابى، وقال إن قائده، عبدالحميد أبا عود، طلب منه استهداف الجنود الأمريكيين الذين كانوا على متن القطار وليس المدنيين.
إلى جانب الخزانى، وقف فى قفص الاتهام ثلاثة آخرون: بلال شطرة، رضوان العمرانى الزريفى، ومحمد البقال، على خلفية مشاركتهم فى تخطيط وتنفيذ ذلك الهجوم الإرهابى الفاشل، وفى اعتداءات ١٣ نوفمبر ٢٠١٥. وبعد أن أدلى الأمريكيون الثلاثة، أمس الأول، الإثنين، بشهاداتهم أمام المحكمة، قيل إن الادعاء قد يعرض أجزاء من الفيلم خلال الجلسات المقبلة، وذكرت تقارير أن كلينت إيستوود تم إدراجه على قائمة الشهود.
.. وتبقى الإشارة إلى أن سارة موجير بولياك، محامية «أيوب الخزانى»، أقامت دعوى قضائية ضد كلينت إيستوود وشركة وارنر براذرز، والأمريكيين الثلاثة، لأن الفيلم أدان موكلها قبل صدور حكم قضائى، وانتقدت الأمريكيين الثلاثة لأنهم أدلوا بشهاداتهم على الشاشة قبل أن يدلوا بها أمام القضاء الفرنسى. والطريف أنها، حسب ما قالته للقناة الفرنسية الثالثة، حين طلبت من قاضى التحقيق إعادة تمثيل الجريمة، أجابها بأن ذلك حدث فى الفيلم!.