رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزف «إخوانى إسرائيلى» مشترك



لن تجد أكثر انحطاطًا من مزاعم الآلة الدعائية الإخوانية التركية عن تدنيس مسجد تاريخى فى أرمينيا وتحويله إلى حظيرة لتربية الحيوانات، غير اتهامات الآلة الدعائية الإسرائيلية للأرمن بتدنيس النصب التذكارى للهولوكست. ويمكنك أن تضيف تلك المزاعم وهذه الاتهامات إلى أدلة كثيرة، تثبت أن من يحرك الطرفين واحد، وأنه يستخدم أدوات اللعب نفسها.
من منظور الآلة الدعائية الإخوانية، فإن الأرمن يعادون الإسلام. وبعد أن أطلقت «شبكة رصد» شائعة تدنيس المسجد، تلقفتها قناة «مكملين» ووضعتها أمام عصام تليمة، غلام يوسف القرضاوى، مدير مكتبه السابق، ليقوم بتكفير الأرمن ويهاجم الساكتين عن هذه الجريمة. بالضبط، كما زعمت جريدة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية بأن أرمينيا هى أكثر دول أوروبا الشرقية، معاداة للسامية، وأنّ «تدنيس النصب التذكارى للهولوكوست من الأمور الشائعة فى هذا البلد». وفوق ذلك، قالت إن الأرمن يصفون اليهود بـ«الصابون»، فى إشارة إلى أن النازيين كانوا يحولون جثث ضحايا معسكرات الإبادة إلى صابون!
فى المقابل، دافعت القنوات الإخوانية، بشدة، عن أذربيجان بزعم أنها دولة مسلمة، كما تغنت الجريدة الإسرائيلية بحرية العبادة فى تلك الدولة التى تضم سبعة معابد وعددًا من المدارس اليهودية. وشددت «جيروزاليم بوست» على أن «مشكلة اللا سامية الدنيئة غير موجودة فى أذربيجان منذ القرن الخامس» وأن «اليهود يعيشون فيها، حتى اليوم، فى سلام وازدهار»، بالإضافة إلى أنها كانت «خلال المحرقة ملاذًا لليهود الهاربين من أوروبا».
إقحام الإسلام فى الصراع المزمن، بين الجمهوريتين السوفيتيتين السابقتين، كما أشرنا فى مقال سابق، يتيح لمشايخ أردوغان إصدار فتاوى تجيز للإرهابيين الذهاب إلى أذربيجان، وإضافة ثواب الآخرة إلى أجر الدنيا الذى سيناله المرتزقة فى حربهم ضد الأرمن. ومع أن الرئيس التركى حاول أن يتصدر المشهد، خلال الصراع الدائر حاليًا، إلا أن الإسرائيليين لم يتمكنوا من إخفاء أصابعهم، ما أدى إلى قيام الخارجية الأرمينية باستدعاء سفيرها من إسرائيل للتشاور. وبعد إشارتها، فى بيان، إلى أن الدعم الإسرائيلى لأذربيجان بـ«السلاح الأكثر تطورًا وحداثة»، قالت آنا نجداليان، المتحدثة باسم الوزارة، إن «أسلوب العمل الإسرائيلى غير مقبول».
فى تقرير نشره موقع «معهد بيجن- السادات للدراسات الاستراتيجية»، فى ٣١ أغسطس الماضى، أوضح إميل أفدالانى أن العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأذربيجان تتوافق مع المنظور الأكبر للولايات المتحدة بالنسبة للمنطقة. وأشار إلى أن واشنطن حرصت منذ أوائل التسعينيات على تعزيز العلاقات بين الدول الثلاث. وعليه، لم يكن غريبًا أن تتعانق الأعلام التركية، الأذرية والإسرائيلية، أوائل الشهر الماضى، فى مظاهرات نظمها «بيت أذربيجان فى إسرائيل»، فى مدينتى تل أبيب ويافا، رفع خلالها المتظاهرون، الأذريون، الأتراك، والإسرائيليون، لافتات تقول «أوقفوا الإرهاب الأرمنى ضد أذربيجان».
يربط بين الدول الثلاث، أيضًا، قاعدة «كوراجيك» شرق تركيا، التى أقامها الأمريكيون سنة ٢٠١١ وكان لها دور كبير فى تدمير سوريا. وأضف إلى أن أذربيجان هى أهم قاعدة للمصالح الأمريكية والأطلسية، فى منطقة القوقاز، وشاركت فى كل العمليات العسكرية التى قادتها الولايات المتحدة فى كوسوفو، أفغانستان والعراق. واستنادًا إلى ذلك، لا نعتقد أن الرئيس الأرمينى أرمين سيركيسيان، كان يبالغ حين حذّر من وجود خطر جدى بتكرار «السيناريو السورى» لو استمر الوضع على ما هو عليه.
الهدف الأساسى من تفجير الأوضاع بين أرمينيا وأذربيجان، هو الحفاظ على المصالح الأمريكية، التركية والإسرائيلية، والضغط على روسيا، المرتبطة بتحالف دفاعى مع أرمينيا، وتربطها أيضًا علاقات تعاون مع أذربيجان فى مجالات عديدة، والتى هى أيضًا إحدى الدول الثلاث، التى شكلت، منذ ١٨ سنة، «مجموعة مينسك»، داخل منظمة الأمن والتعاون الأوروبى، للتوسط فى هذا الصراع، لكنها لم تنجح فى إنهاء المعارك.
زعماء الدول الثلاث، روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، دعوا فى بيان مشترك، قادة أرمينيا وأذربيجان إلى «وقف تامّ لإطلاق النار، واستئناف المفاوضات بنية حسنة ودون شروط مسبقة». ولدى وصوله إلى بروكسل، الخميس، للمشاركة فى القمة الأوروبية، قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إن لديه معلومات «تشير بشكل مؤكد إلى أن مقاتلين سوريين من مجموعات متطرفة انتقلت عبر غازى عنتاب للوصول إلى مسرح العمليات فى ناجورنو قره باج»، لكنه اكتفى بالهجوم على تركيا، دون أى إشارة إلى إسرائيل!
أخيرًا، وعلى غير ما كان متوقعًا، طالب مجلس الأمن، بإجماع أعضائه، بـ«وقف فورى للمعارك» فى ناجورنو قره باج. وقال البيان الصادر فى ختام اجتماع طارئ عقده المجلس، مساء الثلاثاء، إن الدول الـ١٥ الأعضاء أعربت عن «دعمها لدعوة أمين عام الأمم المتحدة الجانبين لتهدئة التوتّرات والعودة، بدون تأخير، إلى مفاوضات بنّاءة». ومع ذلك، تواصلت المعارك، وليس من المتوقع أن تتوقف قريبًا، لأن استمرارها، هو المخرج المناسب لأذربيجان، تركيا، وإسرائيل، من أزماتها الداخلية.