رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الشكور» يُجازى بالكثير على القليل


من أسماء الله الحسنى اسم الله «الشكور»، وهو على وزن فعول بصيغة المبالغة، ومعناه: أن الشكور هو الذى يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء، فشكره لعباده مغفرته لهم.. ومشتق من «شكر»، وفى اللغة: «شكر» تعنى زيادة، يعطيك زيادة مهما كان ما قدمته قليلًا، فلو أعطيت أجرًا لأحدهم لن تكون شكورًا، لأنه لا بد من الزيادة لتصبح شكورًا، فى اللغة العربية: «الدابة الشكور»، تعطيها علفًا قليلًا تعطيك إنتاجًا غزيرًا، «الأرض الشكور»: بالماء القليل تعطيك إنتاجًا فوق ما تتخيل.
والشكور سبحانه وتعالى الذى يشكرك على اليسير مما تقدمه فيعطيك عليه أضعافًا مضاعفة من الجزاء والثواب فى الدنيا والآخرة، لكن هل ينفع أن يشكرك دون أن تقدم شيئًا؟ لا.. لا بد أن تقدم شيئًا أولًا.. مهما قدمت قليلًا، لا بد أن يشكرك عليه ويضاعف لك الشكر أضعافًا مضاعفة، «وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا...» (الشورى ٢٣)، سواء أكان ما فعلت إنقاذ طائر.. تقبيل يد أمك.. ابتسامتك لإنسان.. والله لو أزلت التراب من طريق الناس لشكرك عليه، ولوجدت ذلك فى ميزانك، ربما تنساها لكن الشكور لن ينساها لك.
لن يشكرك شكرًا عاديًا، يجب أن يكون الشكر أضعافًا مضاعفة «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ» (فاطر ٣٠)، فطالما هناك كلمة «شكور» يجب أن تجد كلمة زيادة مع القرآن: «... وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» (الشورى ٢٣)، «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ..» (يونس ٢٦)، أهل الجنة «لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ» (ق ٣٥)، «مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً..».
ويعلمك الله أن الشكر دائمًا معه الزيادة.. «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، ومعنى الشكور أنه يعطيك على العطاء القليل الثواب الكبير اللانهائى.. فيجازى الشىء اليسير بالعطاء اللانهائى له، فأنت مهما بذلت له فى الدنيا كم يساوى ذلك فى عطائه لك الجنة.. مثال الشكور: هل تستطيع بخمسة جنيهات أن تشترى فيلا فى الساحل الشمالى وعمارة فى المهندسين وسيارة من أحدث طراز، الله يجازى بالكثير على القليل: «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت»، فما أعده الله من نعيم مقيم نظير ما نقدمه من طاعات لا يقارن.
تخيل لو أنك أعطيت ابنك ١٠ جنيهات، وقلت له لو تصدقت بثلثها فقط سأعطيك مكافأة عظيمة، سأشترى لك بدلة بـ٣٠٠ جنيه، يعجبه الأمر فيأخذ منك المال يستمتع بثلثيه ويتصدق بالثلث ويأتيك فرحًا فتقول له خذ المكافأة.. هذا هو معنى الشكور، أنه يجازى على القليل بالكثير.
من نماذج شكره:
يشكر الحسنة بعشرة أمثالها إلى أضعاف مضاعفة.. «من ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى».. يشكر عبده فيُثنى عليه بين ملائكته وفى ملئه الأعلى.. لما احتمل يوسف فى السجن، شكر له ذلك بأن مكّنه فى الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.. لا يتركك تفعل شيئًا إلا شكرك عليه.. يشكرك حتى على نيتك.
يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا لأربعة نفر: الأول أتاه الله مالًا وعلمًا فهو ينفق هذا المال فى سبيل الله، ورجل أتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا، فهو يقول لو أن لى من المال مثل فلان لأنفقته فى سبيل الله، يقول النبى: فهما فى الأجر سواء»، لم لا تنوى القيام بأعمال الطاعة؟.. الشكور يعطيك الأجر كاملًا على نيتك الطيبة.
يشكرك على الشهامة.. تحكى السيدة أم سلمة فتقول: إن قريش فرّقت بينها وبين زوجها وابنها، وهاجر أبوسلمة وهى فى بيتها وابنها محبوس، وبعد عام تركها أهلها لتذهب لزوجها، فقررت الذهاب للمدينة وحدها دون ناقة، فقابلها عثمان ابن طلحة عند التنعيم، وكان كافرًا ومُعاديًا المسلمين، ولكن تحركت فى قلبه الشهامة، فقال: إلى أين يا أم سلمة؟ قالت: أفرّ بدينى منكم وألحق بزوجى فى المدينة، فقال: وحدك؟! قالت: نعم، قال: ما معك أحد؟ قالت: لا والله، قال: ما ينبغى لك أن تسافرى وحدك، اركبى يا أم سلمة على ناقتى، وأوصلها للمدينة وهو يسير على قدميه.. تخيل لو أن أحدهم طلب منك أن توصله للإسكندرية.
تقول أم سلمة: فقلت والله ليشكرنه الله على ما فعل، تقول: ما وجدت رجلًا أكرم منه.. ما نظر إلىّ نظرة ولا كلمنى كلمة حتى اقتربنا من المدينة، فقال: هنالك زوجك انزلى فاذهبى إليه، ثم أخذ الناقة وعاد.. ظل كافرًا بعدها ثمانى سنوات، وأسلم يوم فتح مكة.. تقول أم سلمة: فوالله يوم أسلم قلت فى نفسى ما زلت أظن أن الله سيشكره عليها.