رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رشوة جديدة.. فى مصر القديمة




سقوط محمد زين العابدين، رئيس حى مصر القديمة السابق، لم يمنع علاء الدين خليل، رئيس الحى التالى، أو الحالى حتى إشعار آخر، من ارتكاب الجريمة نفسها: جريمة الرشوة. والاثنان لم يردعهما سقوط مئات قبلهما، خاصة فى المحليات، التى بدأ عرض أولى حلقات مسلسل فسادها مع بدء تطبيق نظام الإدارة المحلية، سنة ١٨٨٣، ولا يزال العرض مستمرًا.
عقب اتخاذ كل الإجراءات القانونية، قامت هيئة الرقابة الإدارية، الأحد، بإلقاء القبض على علاء الدين خليل، رئيس حى مصر القديمة، وأحد متعهدى جمع القمامة العاملين فى نطاق الحى عقب «تقاضى المتهم الأول مبلغ ٤٠٠ ألف جنيه على سبيل الرشوة من الثانى الذى جمعها له من متعهدى القمامة المتعاقدين مع الحى مقابل قيام رئيس الحى بالإخلال بواجبات وظيفته، وعدم إلغاء التعاقدات الخاصة بالمتعهدين وتمكينهم من صرف مستحقاتهم المالية المتأخرة لدى الحى». وبعرض المتهمين على نيابة أمن الدولة العليا، قررت حبسهما على ذمة التحقيقات.
تحريات الرقابة الإدارية، توصلت إلى «اعتياد المتهم ذلك الإجراء، مستغلًا سلطات وظيفته». لكن جيهان عبدالعظيم، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، كان لها رأى آخر، وقامت فى ٢١ فبراير الماضى، بتكريمه عن «جهوده الواضحة والمتميزة فى تحقيق استراتيجية الدولة بمصر القديمة ٢٠٣٠، والتى من المنتظر أن تؤتى ثمارها مستقبلًا فى رفع مستوى الحى». وفى احتفالية شارك فيها أعضاء البرلمان عن دائرة مصر القديمة، محمد العقاد وعصام فاروق، «أثنى الحضور على المواقف الإنسانية لرئيس حى مصر القديمة فى التعامل مع المشكلات المختلفة».
علاء الدين خليل محمد على، حاصل على درجة الماجستير فى «إدارة الأزمات والكوارث»، وأتم عامه الخامس والخمسين فى ٢٨ سبتمبر الماضى، وتقول «البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة» إنه يشغل منصبه منذ ٢ سبتمبر ٢٠١٨، فى حين يقول الواقع إن ذلك مستحيل، لأن محمد زين العابدين، رئيس الحى السابق، لم يترك منصبه إلا أوائل يناير ٢٠١٩، إثر قيام رجال هيئة الرقابة الإدارية بإلقاء القبض عليه، هو الآخر، متلبسًا، أثناء تقاضيه مبلغ مليون جنيه، من أصل مبلغ ٢ مليون جنيه، على سبيل الرشوة من أحد مقاولى الهدم المتعاملين مع الحى، مقابل إنهاء إجراءات صرف المستخلصات المالية المستحقة لذلك المقاول.
السهو، قد يكون مسئولًا عن هذا الخطأ، لكنه برىء، قطعًا، من استمراره. ويغيظك أن تجد الموقع، التابع لوزارة التخطيط و«المتابعة» والإصلاح الإدارى، يزعم أن تلك البيانات تم تحديثها فى أغسطس الجارى. مع أن قليلًا من البحث سيقودك إلى أن علاء الدين خليل، كان رئيسًا لحى الخليفة، وتولى فى ٧ يناير ٢٠١٩، الإشراف على شئون حى مصر القديمة، بعد سقوط زين العابدين، وصار قائمًا بالأعمال، ثم استمر.
الإشادة واجبة، طبعًا، بما تقوم به هيئة الرقابة الإدارية، والذى يؤكد بوضوح أن الدولة جادة فى محاربة الفساد، ويثبت أيضًا تكاتف كل أجهزة الدولة فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر، للقضاء على الفساد بكل أشكاله وكل مظاهره. ومما يُحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى، أنه أعطى «الضوء الأخضر» لكل الهيئات الرقابية، قولًا وفعلًا، ضاربًا عرض الحائط بقاعدة كانت شبه مستقرة: «بلاش ننشر غسيلنا الوسخ». غير أن تكرار تساقط المرتشين، فى الموقع نفسه، يوحى بوجود خلل ما، فى معايير اختيار هؤلاء الساقطين، المتساقطين، ويقطع بعدم كفاية العقوبة.
قد تكون معايير الاختيار صحيحة، ويفسد المُختار، بعد اختياره، بفعل العدوى، بوسوسة الشيطان الشاطر، أو لأن النفس البشرية، بطبعها، أمّارة بالسوء. لكن الثابت هو أن عدم كفاية العقوبة، يحول دون تحقيق الهدف الأهم من وجود قانون العقوبات والغاية من إقرار القوانين، إجمالًا، وتطبيقها: محاسبة الجانى عن جريمته ومنعه من تكرارها، وتحذير غيره من عواقب تقليده أو ارتكاب الجريمة نفسها. بلغة أهل الاختصاص: تحقيق الردع على المستويين الخاص والعام.
لا علاقة لنا، إذن، بنوازع الشر وبواعث الجريمة فى النفس البشرية، وبما قد يكبتها ويحول دون تحولها إلى إجرام فعلى، بقدر ما يعنينا استخفاف المجرمين بالقانون وبالعقوبة، وبالتالى عدم تحقق الردع العام. إذ إن العقوبة فى القانون، تعادل المضاد الحيوى فى الطب: تعمل المضادات الحيوية على قتل البكتيريا المسببة للمرض أو وقف تكاثرها، وتعطى الجسم فرصة للقضاء عليها. وتعمل العقوبة على القضاء على الجرائم ومنع تكرارها، وتعطى النفس البشرية الفرصة لكبت نوازع الشر أو بواعث الجريمة، وتمنع تحوّل الإجرام الكامن إلى إجرام فعلى.
.. وأخيرًا، لا نعتقد أن علامة «زبيبة» الصلاة، كبيرة الحجم بشكل لافت، والتى تكاد تحتل نصف جبين رئيس الحى الساقط، قد تدهشك لو عرفت أن سلفه، الساقط أيضًا، رئيس الحى السابق، كان قد أدى فريضة الحج، قبل ٤ أشهر من سقوطه!.