رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطوة إيجابية ليبية.. ولكن..!



هذا ما نريده لو صدقت النيات. وموقف مصر الثابت تجاه القضية الليبية لا هدف له، غير استعادة توازن أركان الدولة، والحفاظ على مؤسساتها الوطنية، ووقف التدهور المستمر فى أوضاعها الاقتصادية، المعيشية، والأمنية. وعليه، كان طبيعيًا أن نرحب، ويرحب الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإعلان «المجلس الرئاسى» و«مجلس النواب» فى ليبيا عن وقف إطلاق النار، وتعليق كل العمليات العسكرية فى كافة الأراضى الليبية.
فى بيانين منفصلين، أعلن فايز السراج، رئيس ما يوصف بـ«المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الوطنى»، وعقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبى المنتخب، عن اعتزامهما طى صفحة الصراع والاقتتال، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال شهر مارس المقبل، وفق قواعد دستورية وقانونية منضبطة، يتوافق عليها جميع الليبيين.
نحن أمام خطوة مهمة، فعلًا، على طريق التسوية السياسية وتحقيق طموحات الشعب الليبى فى استعادة استقرار بلاده وحفظ مقدراته، لكن ما يثير القلق، ويشكك فى نيات مجلس «أو عصابة» السراج، هو أن بيانه خالف المنطق بزعمه أن «تحقيق وقف إطلاق النار يستوجب أن تكون سرت والجفرة منزوعتى السلاح»، لأنه لا يوجد نزاع فى هاتين المنطقتين والخط الرابط بينهما، الخط المصرى الأحمر. كما أن نزع السلاح، قبل طرد القوات التركية والتخلص من الإرهابيين والمرتزقة، سيكون تفريطًا فى التراب الوطنى. وحسنًا فعل الجيش الليبى بتأكيده، أن قواته «لن تتراجع قيد أنملة عن سرت وما حولها»، ولن تسلمها لغزاة وأشباه غزاة.
المصالحة الوطنية الشاملة، هى أساس «بناء الوطن وضمان استقراره»، كما جاء فى «إعلان القاهرة»، وفى بيان «مجلس النواب الليبى»، وكلاهما شدد على «ضرورة تفكيك الميليشيات لاسترجاع السيادة الوطنية الكاملة». لكن لا معنى لهذا الكلام، فى ظل وجود عسكريين أتراك وقطريين، إرهابيين ومرتزقة، فى مناطق سيطرة حكومة «أو عصابة» السراج.
مستعدون، طبعًا، لكل الاحتمالات، سواء خلصت النيات أو ساءت، لأن أمن واستقرار ليبيا، كما لعلك تعرف، يشكلان جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى. وهنا قد تكون الإشارة مهمة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد وجه، الأربعاء الماضى، قواتنا المسلحة، مجددًا، بمواصلة المحافظة على أعلى درجات الجاهزية والاستعداد القتالى، لتنفيذ أى مهام توكل لها لحماية أمن مصر القومى. وأشاد، خلال اجتماع عقده مع قائد الجيش الثانى الميدانى، بالقدرات الكبيرة التى تتمتع بها قواتنا المسلحة فى كافة الأفرع والتخصصات ونظم التسليح.
غير جاهزيتها العالية، وقدرتها على حسم معاركنا فى كل الجبهات، لو كُتب علينا القتال، الذى هو كُرهٌ لنا، بات لدى قواتنا المسلحة، أيضًا، رخصة دستورية وقانونية، لتحديد زمان ومكان الرد على الأخطار والتهديدات، منذ وافق مجلس النواب، فى ٢٠ يوليو الماضى، على إرسال عناصر من قواتنا المسلحة خارج الحدود، دفاعًا عن أمننا القومى فى الاتجاه الاستراتيجى الغربى ضد أعمال الميليشيات الإجرامية المسلحة والعناصر الإرهابية الأجنبية. وكان الرئيس السيسى قد تحدث أكثر من مرة عن جاهزية قواتنا المسلحة، آخرها فى يونيو الماضى، حين كان يتفقد المنطقة الغربية العسكرية المحاذية للحدود الليبية، بحضور القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الأركان وقادة الأفرع الرئيسية. وقال إن «أى تدخل مصرى مباشر فى ليبيا بات شرعيًا»، غير أنه شدّد، أيضًا، على أن مصر حريصة على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.
الجهود المصرية، لتعزيز مسار العملية السياسية فى ليبيا، لا ينكرها إلا جاحد، أعمى، عبيط أو موتور، أما تلويحنا بالتدخل العسكرى فلم يكن يعنى أبدًا، أو بالضرورة، أننا ذاهبون إلى الحرب، أو نسعى إليها، فقط، كان جرس إنذار من تبعات فشل المساعى، السياسية والدبلوماسية، لمواجهة محاولات تخريب الدولة الشقيقة، خاصة، بعد إعلان القاهرة، وتحديد الخط الأحمر، الذى كنا نعرف أن العدو التركى ومرتزقته وإرهابييه، لن يجرؤوا، على تجاوزه.
ما يؤكد ذلك، هو أن مجلس الدفاع الوطنى أعلن، قبل ساعات من موافقة البرلمان، عن التزام مصر بالحل السياسى، لإنهاء الأزمة الليبية. شريطة أن يحافظ ذلك الحل على السيادة والوحدة الوطنية والإقليمية للدولة الليبية، ويستعيد ركائز مؤسساتها الوطنية، ويقضى على الإرهاب ويمنع فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات المسلحة المتطرفة، ويضع حدًا للتدخلات الخارجية غير المشروعة، ويضمن التوزيع العادل والشفاف لثروات وموارد الشعب الليبى.
هدفنا، الذى نراه هدف كل عاقل سوى، داخل ليبيا وخارجها، هو استقلال هذا البلد الشقيق، واستقراره، وتوجيه ثرواته إلى ما يحقق مصلحة شعبه، وليس مصالح دول وشعوب أخرى، وما قد يُطمئن، قليلًا أو كثيرًا، هو أن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، بدأ يمهد لتخليه عن مطامعه فى ثروات الشعب الليبى، وحاول صرف أنظار الأتراك عن فشله فى نهب غاز «شرق المتوسط»، بإعلانه أمس، الجمعة، عن اكتشاف «أكبر» حقل غاز طبيعى فى البحر الأسود.