رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل هو «السلام الثالث» فعلًا؟!


العنوان، الذى تصدر الصفحة الأولى من عدد «الدستور» أمس السبت، قال إن الاتفاق الإماراتى الإسرائيلى هو «السلام الثالث». ومع أنه الثالث، شكلًا، بعد اتفاقى مصر والأردن مع الدولة العبرية، فى ١٩٧٩ و١٩٩٤، إلا أن هناك اتفاقات وسلامات أخرى، معلنة وليست سرية، لا يتم عدّها، وأخرى يجرى الإعداد لها، بوساطات، بضغوط، أو بإغراءات أمريكية، تركية، وقطرية.
تأسيسًا على ذلك أدهشنا الهجوم التركى القطرى على الاتفاق الإماراتى، وأبهرتنا كمية التدليس و«التهييس» التى ساقتها وسائل إعلام تابعة للدولتين أو إخوانية، ممولة منهما، مع أن تركيا هى الشريك العسكرى، التجارى، والسياحى الأكبر لإسرائيل فى المنطقة، وثانى دولة بعد الولايات المتحدة تحتضن أكبر مصانع أسلحة للجيش الإسرائيلى، ومع أن قطر تخضع لسيطرة هذه وتلك، وتستضيف عاصمتها، الدوحة، منذ سنة ١٩٩٥، مكتبًا لتمثيل المصالح الإسرائيلية.
فى كتابه «قطر وإسرائيل ملف العلاقات السرية»، أشار سامى ريفيل، أول رئيس لذلك المكتب، إلى أن صعود أمير قطر السابق للحكم، حمد بن خليفة، بعد انقلابه على والده، كان مشروطًا بتوطيد العلاقات القطرية الإسرائيلية، وبتحول قطر إلى صندوق بريد نشيط لخدمة إسرائيل، وأوضح أن قطر قامت بتشجيع العديد من الدول العربية على التطبيع تحت عناوين اقتصادية علنية وأمنية سرًا، ومن المفارقات الطريفة أن ريفيل انتقد الضغوط التى مارستها مصر على قطر لكبح جماح اندفاعها نحو إسرائيل، ولم تفته الإشادة بدور الأستاذة موزة المسند، قرينة الحاكم السابق، والدة الحاكم الحالى، التى وصفها بأنها السيدة الأكثر تأثيرًا فى العالم العربى!.
هكذا، كان طبيعيًا أن تستقبل الدوحة مسئولين إسرائيليين، بدءًا من درجة رئيس وزراء وأنت نازل، وأن يتكرر ظهورهم على شاشة «الجزيرة»، وأن يشارك إسرائيليون فى «بطولة العالم للجمباز» التى استضافتها الدوحة، وتم خلالها رفع العلم الإسرائيلى وعزف النشيد الوطنى لذلك الكيان. كما لم يكن غريبًا أن يذكر تقرير نشره «منتدى الشرق الأوسط»، فى ٢٨ أبريل ٢٠١٨، أن الإدارة الأمريكية تلقت رسالة من حاكم قطر، ملخصها أن حركة «حماس» مستعدة للعمل مع الأمريكيين ضمن خطة السلام، المعروفة باسم صفقة القرن، وأنها قد تتغاضى عن السيادة الإسرائيلية على القدس، وعن ملفى المستوطنات وعودة اللاجئين، مقابل استمرار سيطرتها على قطاع غزة، الذى سيكون، وفق تعهدات الحركة، دولة منزوعة السلاح!.
غير الوساطة القطرية بين «حركة حماس» الإخوانية والإدارة الأمريكية أو الإسرائيلية، يجرى التحضير، منذ سنوات، لاتفاق إسرائيلى مع السودان، التى خرجت منها «اللاءات الثلاث» الشهيرة: لا سلام، لا اعتراف، ولا تفاوض. و«بترتيب قطرى تركى، امتدت الخيوط بين الخرطوم وتل أبيب، وبدأت الاتصالات المباشرة وعملية التزاور لمسئولين إسرائيليين وسودانيين». وما بين التنصيص نشرته جريدة «التغيير» السودانية، فى ١٠ ديسمبر ٢٠١٦، حين زار وفد سودانى تل أبيب، بترتيب من قطر وتركيا. وبالتالى، لم يكن مفاجئًا أن يلتقى عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السودانى، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى أوغندا، منذ ستة أشهر.
كنا قد أشرنا، أمس، إلى تمثيلية انسحاب رجب طيب أردوغان من جلسة المنتدى الاقتصادى العالمى، دافوس، فى ٢٠٠٩، إثر ملاسنةٍ مع شيمون بيريز، رئيس إسرائيل السابق وقتها، رئيس وزرائها الأسبق. وأوضحنا كيف استغلتها جماعة الإخوان، فى التسويق لرئيس وزراء تركيا وقتها، وكيف شاء السميع العليم ألا تمر سنة ٢٠١٢ حتى يظهر الوجه الصهيونى لتلك الجماعة الإرهابية الضالة، ونكتشف أن «بيريز» هو صديق الرئيس الإخوانى العزيز، ونرى القيادى بالجماعة عصام العريان، فى برنامج على «قناة دريم»، يوجه الدعوة إلى اليهود المصريين للعودة، زاعمًا أن الزعيم جمال عبدالناصر قام بطردهم، وقائلًا لهم إن «مصر أولى بكم»!.
مرارًا وتكرارًا، قلنا إن جماعة الإخوان وتفريعاتها، وأردوغان وعملاءه، لا تعنيهم القضية الفلسطينية، أو أى قضية أخرى غير مشروعهم: مشروع التمكين، الذى لن يترددوا فى اللعب مع الشيطان نفسه لتحقيقه. وعلى ذكر شيمون بيريز، نشير إلى أنه لم يزر عاصمة عربية إلا الدوحة، ولم يظهر على شاشة عربية، إلا قناة «الجزيرة» فى حوار أجراه معه غلام الإخوان المدلل جمال ريان، الذى يزعم أنه من أصول فلسطينية، مع أنه أثبت، بأقواله وأفعاله، أنه لقيط.
أخيرًا، وسواء اتفقت مع الاتفاق الإماراتى الإسرائيلى أو اعترضت عليه، وسواء رأيته الثالث أو السادس، فإن ذلك لا ينفى أنه قد يوقف ضم إسرائيل لأراضٍ فلسطينية جديدة، كما اشترطت الإمارات، وقد يسهم فى تحقيق سلام عادل ودائم فى المنطقة. وفى أسوأ تقدير، لن يضيف جديدًا أو ينتقص من قديم. ما يعنى أن هناك احتمالًا لتحقيق مكاسب، لا تقابله خسائر محتملة، بعد أن التصق سوء الأوضاع فى الأراضى العربية المحتلة بالسقف، وما عاد هناك أسوأ يمكن بلوغه!.