رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراع «فرنسى تركى» فى لبنان



مخطط الرئيس التركى التوسعى، الذى طال العديد من الدول العربية والإفريقية، لن يستثنى دولة فى المنطقة، وهناك شواهد كثيرة تؤكد أن «الوباء التركى ضرب لبنان»، وتحت هذا العنوان، أشرنا فى ٧ يوليو الماضى، إلى أن للأتراك، العثمانيين، مطايا وعبيدًا، يلعبون هناك، كما تلعب تيارات وأحزاب عديدة، لبنانية اسمًا أو شكلًا فقط، لفرض سيطرة دول أخرى على البلد الشقيق.
إلى فشل الحكومة فى تنفيذ إصلاحات، وإلى الانفجار الهائل الذى هز بيروت، أرجعت وزيرة الإعلام اللبنانية استقالتها أمس، الأحد، وتبعها دميانوس قطار، وزير البيئة، وسبقهما إلى الاستقالة ستة أو سبعة نواب برلمانيين، قبل ساعات من استضافة العاصمة الفرنسية باريس مؤتمرًا للمانحين، عبر الفيديو، بهدف تقديم مساعدات مالية إلى لبنان، و«بحث كيفية تقديم تلك المساعدات إلى الشعب بشكل مباشر». وتحت العبارة الأخيرة، ضع عشرات الخطوط.
لبنان صار، منذ سنة ٢٠١٧، من الدول المساهمة فى البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، وهو مؤسسة مصرفية تنموية أوروبية تأسست سنة ١٩٩١، لدعم اقتصادات دول الكتلة الشرقية، ثم توسع نشاطها ليشمل دول الجوار الأوروبى فى البحر المتوسط، وكانت نتالى جوليه، النائبة فى مجلس الشيوخ الفرنسى، قد تقدمت بمشروع مقترح، فى فبراير الماضى، استهدف فرض رقابة على التمويلات الأوروبية، بعد زيارة قامت بها إلى لبنان، بمصاحبة القاضى الفرنسى تشارلز براتس، قيل إن هدفها هو تقديم المساعدة الفنية فى مكافحة الاحتيال الضريبى والفساد!.
النائبة الفرنسية نفسها أطلت برأسها، مجددًا، وطالبت بضرورة رفع درجات الرقابة على المساعدات، الممنوحة أو التى سيتم منحها للبنان، فى مقال نشرته جريدة «هاف بوست»، السبت، اقترحت فيه وجود مشرفين أجانب. ما يعنى بوضوح وضع لبنان تحت رقابة دولية «أو أوروبية»، حتى لو ادعت النائبة غير ذلك. ولاحظ أن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، كان قد أشار، فى مؤتمر صحفى قبل مغادرته بيروت، الخميس الماضى، إلى أن تقديم المساعدات سيكون «مباشرة إلى الشعب والمنظمات غير الحكومية وإلى الطواقم الميدانية».
أيضًا، فى بداية مؤتمر المانحين، دعا الرئيس الفرنسى إلى «التحرك سريعًا وبفاعلية» لضمان وصول المساعدات «مباشرة» إلى الشعب اللبنانى. كما ذكرت نتالى جوليه، فى مقالها، أن لبنان يحتاج إلى «إصلاحات سياسية جذرية تضع حدًا للدولة الطائفية». وطالبت بتحويل مجلس النواب إلى «جمعية تأسيسية لإعداد أسس دستور جديد وإنهاء الاتفاقات التاريخية التى عفا عليها الزمن». ورأت أن إعادة إعمار بيروت يجب أن تترافق مع إعادة بناء لبنان على أسس جديدة.
نسمعك تسأل عن علاقة تركيا بذلك كله. ونجيب، بأننا رأينا بصمتها واضحة فى المظاهرات، التى عادت، السبت، إلى الشوارع مطالبة بمحاسبة المسئولين عن الكارثة. إذ كان لافتًا قيام متظاهرين باقتحام وزارات الخارجية، الاقتصاد، والبيئة، كما اقتحم آخرون مقر جمعية المصارف فى وسط بيروت، وأشعلوا النيران فى طابقه الأرضى، قبل أن يتدخل الجيش اللبنانى، كما منعت الشرطة بعض المتظاهرين من الوصول إلى مبنى البرلمان.
تقارير إعلامية لبنانية اتهمت من وصفتهم بـ«المخرّبين» بأنهم حاولوا استغلال المظاهرات، وتحويلها من مظاهرة شعب إلى مظاهرة شغب. وعليه كان منطقيًا أن نتذكر التسعة ملايين دولار أمريكى التى ضبطتها السلطات اللبنانية، الشهر الماضى، مع أتراك فى مطار بيروت، كان من المفترض أن يتسلمها سوريون. و«لا ندرى هل هذه الأموال للتلاعب بالدولار، أم لتغذية تحركات عنيفة»، بحسب محمد فهمى، وزير الداخلية اللبنانى، الذى أشار، أيضًا، إلى رصد «تعليمات تصل من تركيا عبر تطبيق (واتس آب) لبعض أطراف الحراك الشعبى».
الملايين التسعة وصلت إلى بيروت، على دفعتين، عبر طائرتين خاصتين قادمتين من تركيا. ولأن السلطات التركية تمنع إخراج الأموال النقدية، والعملة الصعبة تحديدًا، من أراضيها، وفى ظل تضارب المعلومات، وتضارب أقوال الأتراك والسوريين، الذين احتجزتهم السلطات اللبنانية، صدرت توجيهات غسان عويدات، النائب العام التمييزى، للأجهزة الأمنية بالتوسع فى التحقيقات، لمعرفة مصدر تلك الأموال و«وجهة استعمالها». وأضف إلى ذلك أن وحدات الجيش اللبنانى ألقت القبض على ٤ أشخاص: سورى، فلسطينى وسودانيين، فى ٦ يونيو الماضى، لقيامهم بأعمال شغب. ووقتها، حذرت تقارير لبنانية من تحركات تركية مشبوهة.
الصراع الفرنسى التركى، القديم والمستمر، اشتعل فى ليبيا، وامتد إلى سوريا، وطبيعى أن يصل إلى لبنان، وطبيعى أيضًا أن تتدخل، وتتداخل، فيه إيران وإسرائيل وغيرهما. وقبل أن يوسوس لك شيطانك بأننا نحاول تجنيب الحكومة اللبنانية قدرًا من المسئولية، نشير إلى أننا مع بداية تشكيل تلك الحكومة، قلنا هنا، إن صورتها بدت حلوة، غير أن مضمونها ليس كذلك. وتوقفنا أمام استقبال اللبنانيين لها بهاشتاج «حكومة الفشل»، لأن وزراءها، فى رأيهم، تابعون للطبقة السياسية، التى يتظاهرون ضدها، منذ أكتوبر الماضى، ويطالبون بإزاحتها: «كلن يعنى كلن».