رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استقالة إرهابى من منظمة إرهابية


الإرهابى، الذى نقصده، هو القيادى الإخوانى حشمت خليفة، الذى كان رئيسًا لـ«منظمة الإغاثة»، التى توصف بأنها «إسلامية»، مع أنه ينبغى على كل المسلمين، فى مشارق الأرض ومغاربها، التبرؤ من المذكور ونفى صلة منظمته بدينهم، إعمالًا لقول نبيهم، صلى الله عليه وسلم، «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذىء».
كل هذه الصفات، وصفات أخرى أكثر انحطاطًا، اجتمعت فى الأستاذ خليفة، وتحول حسابه على «فيسبوك» إلى مستنقع من البذاءات والسفالات. وبمجرد أن التفتت جريدة «التايمز» البريطانية إلى عددٍ من تدويناته، اضطر إلى الاستقالة من تلك المنظمة، بعد أن ظل ينبح لسنوات، وبعد سنوات من إدراجه على قوائم الإرهابيين فى مصر، إضافة إلى أن المنظمة نفسها، التى زعمت أن تلك التدوينات لا تعبر عن قيمها، مدرجة على قوائم الكيانات الإرهابية فى دول عديدة.
خليفة، الذى يحمل الجنسية البريطانية، مصرى أو عديم الأصل، والتحق بـ«منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية» عبر نقابة الأطباء المصرية، مع أنه ليس طبيبًا، إذ أرسلته النقابة إلى البوسنة سنة ١٩٩٢ مديرًا عامًا لمكتب الإغاثة الإنسانية التابع لها، ومن هناك اختارته المنظمة مديرًا لأنشطتها فى البوسنة والهرسك وكرواتيا، منذ ١٩٩٥ إلى ١٩٩٩، وظل يصعد ويصعد حتى جلس على رأس المنظمة، التى ارتبطت منذ تأسيسها بجماعة الإخوان وأذرعها.
تأسست تلك المنظمة سنة ١٩٨٤ فى مدينة برمنجهام البريطانية، على يد عدد من شباب جماعة الإخوان: هانى البنا، إحسان شبيب، عصام الحداد، و... و... وكانت أول منظمة «إسلامية»، غير حكومية، تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية، بدأ بـ١٨٠ ألف جنيه إسترلينى وتجاوز، الآن، نصف المليار، بعضها من الأمم المتحدة والمفوضية الأوروبية. كما كانت تتلقى تمويلًا من الحكومة الألمانية، وتم وقفه فى مارس الماضى، بعد قيام مكتب التحقيقات الفيدرالى بمراجعة حسابات المنظمة، وإلى الآن، لم تظهر نتائج تلك المراجعة، لأنها، طبقًا لتصريحات رسمية، تتضمن معلومات قد تضر بمصالح ألمانيا!.
يُحسب للسلطات المصرية أنها رفضت، لسنوات طويلة، التصريح بإنشاء فرع لتلك المنظمة، لكن ما يسحب منها، هو أنها تركتها تعمل خلف ستار «لجنة الإغاثة الإسلامية» بنقابة الأطباء واتحاد الأطباء العرب، التى كانت تحت سيطرة الإخوان: أحمد الملط، أشرف عبدالغفار وعبدالمنعم أبوالفتوح. وظل الوضع كذلك، حتى زار حشمت خليفة القاهرة، منتصف مارس ٢٠١١، والتقى عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، واستصدر التصريح.
وقتها، أطلق خليفة وعودًا وتصريحات عن ثلاثة مشروعات ضخمة تنوى المنظمة تنفيذها فى مصر: بناء دور إيواء لأطفال الشوارع، المساعدة فى حل مشكلة البطالة، ودعم وتدريب المؤسسات الخيرية المصرية. وطبعًا، لم يتحقق شىء من ذلك، إلى أن قامت السلطات بإغلاق ذلك الفرع. واتضح خلال محاكمة عصام الحداد، أحد مؤسسى المنظمة، الذى كان مستشار السياسة الخارجية للرئيس المعزول محمد مرسى العياط، أن فرع القاهرة تلقى ٢٠ مليون جنيه مصرى و١٠٠ ألف جنيه إسترلينى، تم استخدامها فى تمويل أنشطة جماعة الإخوان الإرهابية.
فى تونس الشقيقة، أيضًا، رصد تقرير أعدته لجنة «التحاليل المالية» وجود ثلاثة حسابات بنكية لفرع المنظمة هناك، كان أحدثها حساب لدى البنك العربى تم فتحه فى ٦ فبراير ٢٠١٣ وتلقى ٤.٥ مليون دينار تونسى من حساب المنظمة الأم، فى بريطانيا، إضافة إلى ٧٫٥ مليون دينار من شركة INT FCSTONE، التى تخفى هوية المصدر.
لجنة «التحاليل المالية» التابعة للبنك المركزى التونسى، تم تشكيلها لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وقد يلفت نظرك أن يوم ٦ فبراير ٢٠١٣ هو اليوم الذى اغتيل فيه السياسى والمحامى التونسى شكرى بلعيد. أما الأهم من ذلك التزامن المريب، فكان ذلك السؤال المنطقى الذى طرحته اللجنة عن أسباب ومبررات قيام منظمة تهدف إلى مقاومة الفقر ومساعدة المحتاجين، بتحويل مبالغ مالية ضخمة إلى «وكالات أسفار» أو شركات سياحة!.
لا نعتقد أن الإجابة ستكون صعبة، لو عرفت أن غالبية الشركات، التى ثبت تلقيها أموالًا من المنظمة ومن حسابات «الدائمى» وعائلته، قامت بتنظيم رحلات، بتسهيلات وبأسعار مخفضة إلى تركيا، نقطة انطلاق الإرهابيين إلى سوريا والعراق، وستتضح الصورة أكثر لو عرفت أن للمذكور شقيقين: منير الدائمى، مدير معهد الجزيرة للإعلام «مركز الجزيرة للتدريب والتطوير سابقًا»، ويقيم فى قطر، وعماد الدائمى، ذراع المنصف المرزوقى اليمنى، والذى كان رئيسًا لديوانه، حين وضعه «الإخوان» على مقعد رئيس الجمهورية.
استقالة إرهابى، أو عشرات غيره، لن تقدم أو تؤخر، ما دامت المنظمة، التى أدرجتها دول كثيرة فى قوائم الكيانات الإرهابية، مستمرة فى ممارسة أنشطتها داخل بريطانيا وخارجها، ولا نعتقد أن المخابرات البريطانية يمكنها التفريط بسهولة فى عملائها، الذين صنعتهم على أعينها، ولعلك تعرف أن شراء العميل، أو العبد، أرخص بكثير من صناعته أو تربيته.