رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الناصر.. وليبيا


كانت الثورة الليبية في الفاتح من سبتمبر 1969 , مفاجئة تمام للزعيم جمال عبد الناصر، فلم يكن يتوقع أن تقوم ثورة في ليبيا، مع انه قبل ثورة الفاتح، فر بعض الضباط من الجيش الليبي وانضموا الى القوات المسلحة المصرية، وشاركوا في حرب 1967. في 7 يونيو 1967 , واقتحموا بوابات الحدود ودخلوا الاراضي المصرية وشاركوا في القتال، وبين هؤلاء ثلاثة ضباط كانوا معروفين جيداً هم: عمر الواحدي، وسليم الحجاجي، وخليفة عبد الله حفتر. وفي مارس 1969 تمكن عبد المنعم الهوني من الفرار الى مصر.
التقي الهوني في مصر بعمر الواحدي، وهو من الضباط الذين تمت دعوتهم للانضمام إلى التنظيم، ودار بينهم حديث. طلب في نهايته تبليغ المصريين...ولأن الواحدي كانت له علاقة بسكرتير عبد الناصر محمد احمد ... واقترح أن يتصل به لترتيب اجتماع لإبلاغه بهذه المعلومات، أمضى الهوني نحو 40 يوماً في مصر وأخبر الواحدي أنه طلب موعداً مع سكرتير الرئيس، وكان الموعد يؤجل باستمرار، وهكذا لم يلتقِ أي مسؤول مصري. وعندما عاد في الاسبوع الاول من مايو سئل عما فعله في القاهرة. فروى لهم ما حصل. وارتاح معمر عندما أدرك أنه لم يحصل اتصال مباشر مع المصريين. ربما كان هو تولى الاتصال بهم عبر قنوات اخرى. وقتها كان مدير المركز الثقافي العربي في بنغازي، وهو مصري، صديقاً لمعمر وقد عمل لاحقاً في الاتحاد الاشتراكي في ليبيا. والغريب، أن يقوم ضباط ليبيون في مصر باتصالات فيما بينهم، وتغفل عنهم أجهزة الأمن والمخابرات المصرية. وهو امر لم يكن غير وارد، وتفسيره أن الجهاز كان يتعرض لضربات انتقامية، بعد نكسة 1967.
نجحت الثورة الليبية، واتصلوا بعبد الناصر، وجلسوا معه، وفي إحدى المرات، قبل رحيله بأشهر، وقال الرئيس جمال عبد الناصر موجها حديثه إلى “قائد الثورة الليبية” الشاب معمر القذافي «معمّر أنت تذكّرني بشبابي».
تلك الجملة التي قالها جمال عبد الناصر ربما مجاملة للضابط الشاب الذي قام بثورة، ربما نسيها عبد الناصر ولم يتذكرها. أحدثت مفعولها في وجدان الضابط الشاب، وربما افقدته توازنه فيما.
تصرف القذافي بعد ذلك بدافع من الغرور، باعتباره زعيما وثوريا ومفكرا، بل ومثقفا ومنظرا وفيلسوفا ومؤلفا روائيا.
احتوى عبد الناصر طموحات القذافي واندفاعاته هو وأقرانه من الضباط الأحرار الذين وصفهم محمد حسنين هيكل. في كتابه " كلام في السياسة". بعدما التقاهم بأنهم "شباب بريء إلى درجة محرجة، وشباب رومانسي إلى درجة خطرة."
وقتها كان جمال عبد الناصر ينصح القذافي أول لقاء له، عدة نصائح منها:
- لا تقترب من امتيازات البترول الآن.
- لا تحاول التسرع بإلغاء اتفاقيات القواعد في ليبيا، ذلك الآن استفزاز لا تحتاجون، أنتم الآن بمقتضى المعاهدات على وشك التفاوض لتجديد الاتفاقيات عام 1970 – أدخلوا الى التفاوض عندما تجئ المهلة المطلوبة للشروع فيه وهي ستة شهور قبل انتهاء الاتفاقيات وعندها تطلب ما تشاء.
- لا داعي لأي حديث عن الوحدة بين مصر وليبيا، تلك مسألة يستحسن تأجيلها إلى ما مواجهة مشكلة القواعد الأمريكية والبريطانية.
- هناك الكثير تستطيعون المشاركة فيه ضمن الجهد العسكري العربي، ولكنني أفضل أن تبحثوا اموركم في ليبيا وان تعطوا انفسكم فرصة للاستقرار والتركيز على خدمة الشعب الليبي.
وبينما كان القذافي يعرض الوحدة بين مصر وليبيا، كان عبد الناصر يسايره بالقول إن «المبدأ مقبول لكن التنفيذ مؤجّل». وعندما طالب العقيد الليبي بالمساهمة في المعركة ضد إسرائيل، لم يُرفض طلبه لكن اتُّفق على أن تترك لعبد الناصر فرصة التفكير في طريقة مساهمة ليبيا. وهو ما حصل عندما طلب عبد الناصر من القذافي تمويل شراء قاذفات طائرات، لم يتردد في حينها الزعيم الليبي في دفع ثمنها حيث كانت الثقة محور العلاقة بين الرجلين.
إلا أنّ حالة الوئام والتناغم في العلاقات المصرية ـــــ الليبية، سرعان ما تبدّدت مع تولّي أنور السادات سدّة الحكم عقب موت عبد الناصر، ما مثّل من وجهة نظر هيكل «هزة عنيفة للضابط الشاب الذي مشى من الخيمة إلى قمة السلطة في بلاده بغير تمهيد.!