رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صندوق الإنقاذ الأوروبى.. بلا مفتاح!


الهدية الأجمل، التى أرادتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمناسبة عيد ميلادها، كانت التوصل إلى «اتفاق سريع يرضى الجميع حول صندوق الإنقاذ»، إذ تصادف أن يتزامن يوم بلوغها السادسة والستين، يوم الجمعة ١٧ يوليو، مع بدء أعمال القمة الأوروبية المخصصة لإنقاذ، أو لمساعدة، الدول المتضررة من وباء «كورونا المستجد»، وبهذا التعليق، عن «الهدية الأجمل»، استقبلت ميركل الهدايا، التى قدمها لها قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبى.
بداية الشهر الجارى، تولت المستشارة الألمانية، الرئاسة الدورية للاتحاد، وأرادت الانتهاء سريعًا من ملف، أو صداع، صندوق الإنقاذ، لكنها لم تحصل على هديتها، حتى الآن على الأقل، بعد أن تمكنت مجموعة من دول الشمال، من عرقلة أى تقدم فى أول قمة، غير افتراضية، يعقدها قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبى، وجهًا لوجه، منذ تدابير العزل، التى فرضها الوباء على القارة العجوز، وفرض معها أزمة اقتصادية، هى الأعنف بعد الحرب العالمية الثانية.
القمة التى من المفترض أن تكون قد انتهت، أمس الأحد، صدر على هامشها بيان مشترك، حثّ فيه قادة فرنسا وإيطاليا وألمانيا «كل الأطراف الأجنبية» على إنهاء تدخلها المتزايد فى الصراع الليبى، وعلى الاحترام التام لقرارات حظر السلاح الصادرة عن مجلس الأمن»، مهدّدين بأنهم «مستعدون للنظر فى إمكانية فرض عقوبات حال استمرار انتهاك الحظر»، غير أن البيان لم يحدد دولًا، أو دولة، بعينها، ربما حفاظًا على مستوى فشل القمة، أو حرصًا على عدم إضافة شىء إلى الـ«لا شىء»، الذى انتهت إليه!
المهم، هو أن فيروس «كورونا المستجد» وضع الاتحاد الأوروبى أمام أصعب اختبار له منذ تأسيسه، بعد انتكاسات عابرة، وصدمات وصدامات متعاقبة، استمرت لسنوات، زاد خلاها اتساع وعمق الفجوات بين شمال القارة وجنوبها، أو بصيغة أوضح، بين الدول الغنية المانحة، والدول الضعيفة اقتصاديًا، التى تتلقى المنح، خاصة، فى وجود شواهد كثيرة على أن المَنْح والمَنْع صارا مرتبطين بالمواقف والأوضاع السياسية.
الدول، التى توصف بـ«صقور الشمال»، تريد تقديم قروض قابلة للرد، بدلًا من المنح أو الهبات، كما تريد أيضًا فرض رقابة بشأن إنفاق هذه القروض على الدول التى تضررت بشدة من الوباء، ومعظمها من دول الجنوب، المطلة على البحر المتوسط، وهكذا، لم يتمكن قادة وزعماء دول الاتحاد الأوروبى من التوصل إلى اتفاق بشأن صندوق الإنقاذ، التحفيز، أو الإنعاش، بعد مفاوضات شاقة تم تمديدها ليوم ثالث، فى محاولة فاشلة لتجاوز الخلافات: فاشلة، حتى كتابة هذه السطور، ولا نعتقد أن الساعات التالية قد تشهد جديدًا.
كتلة «صقور الشمال»، تضم هولندا، السويد، الدنمارك والنمسا، قادها مارك روتيه، رئيس الوزراء الهولندى، الذى قال إن بلاده لن توافق على أى مقترح دون وجود «ضمانات مطلقة» بشأن تنفيذ الإصلاحات، التى سيتم على أساسها تقديم المساعدات والقروض، واشترط موافقة الدول الأعضاء بالإجماع على خطط الإصلاح، ما يعنى إعطاء كل الدول حق «الفيتو».
الموقف الهولندى لم يعبر فقط عن مطالب «صقور الشمال»، بل يتوافق أيضًا مع المخطط الذى وضعته المستشارة الألمانية، بالتنسيق مع الرئيس الفرنسى، لضبط استخدام المساعدات المالية، التى ستحصل عليها الدول الأكثر تضررًا، وتحديدًا إيطاليا، وعليه، طالب رئيس الوزراء الهولندى الدول التى ستستفيد من الصندوق بالالتزام بإصلاحات حقيقية وملموسة، وليس بوعود كما حدث سابقًا، وأضاف موجهًا كلامه إلى جوزيبى كونتى، رئيس الوزراء الإيطالى: «قبل أن نقدم قرضًا، نريد أن نعرف أين وكيف سيتم إنفاقه»، والإشارة، هنا، قد تكون مهمة إلى وجود صدامات هولندية إيطالية مستمرة، احتشدت وراءها دول أخرى.
الاجتماعات لا تزال مستمرة، حتى كتابة هذه السطور، لكن كثرة الخطوط الحمراء والمواقف المتشددة، من دول الشمال، تقول إن الوصول إلى اتفاق أو إلى مفتاح «صندوق الإنقاذ» بات مرهونًا بموافقة دول الجنوب على شروط صعبة وعلى إخضاع خطط الإصلاح لرقابة أكثر تشددًا، وهو ما يخالف الموقف الإيطالى الإسبانى المشترك، الذى أعلنه رئيس الوزراء الإيطالى، فى مايو الماضى، بعد محادثة طويلة مع نظيره الإسبانى بيدرو سانشيز، وأوضح فيه أن «الإصرار على وضع شروط للمساعدات لن يترك أمام دول الجنوب التى تضررت من الوباء أكثر من غيرها، سوى خيار واحد، هو التصرّف خارج أطر الاتحاد».
.. وتبقى الإشارة إلى أن يوم افتتاح القمة، تزامن أيضًا مع عيد الميلاد التاسع والخمسين لأنطونيو كوستا، رئيس الوزراء البرتغالى، لكن يبدو أنه لم يتلق هدايا، من قادة وزعماء دول الاتحاد، وبالتالى لم يكن متاحًا له التحدث عن انتظاره لـ«الهدية الأجمل»، أو نصيب بلاده من حزمة القروض والمساعدات، التى يراهن عليها لتنفيذ ما وعد به فور إعادة اختياره رئيسًا للوزراء، فى أكتوبر الماضى، لإنهاء حالة التقشف واستعادة المصداقية فى الدولة وثقة المستثمرين.