رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة جسّدت المسيح عبر تاريخها


وصلت إلى قناعةٍ بأننا لا نريد الحوار، وأننا نتحفز لمطاردة كل من يختلف معنا فى الرأى. ولكن لدينا حقائق توصف فى الفقه الإسلامى بما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهى تلك التى قام عليها الإسلام طوال أربعة عشر قرنًا وصانها من أن تكون عرضة للشك فى صحتها.
ورغم أننا لا نقول أو نكتب ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فإننا سجلنا عبر ١٩٠٠ من تاريخ أم الشهداء، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن قانون الإيمان هو الحد المألوف والمعروف لكل مسيحى يعترف به عند الانضمام إلى الكنيسة، ويحيا ويموت وهو على لسانه إن كان قادرًا على النطق أثناء سكرات الموت. وطوال الـ٤٠ سنة الماضية لم يكن لدينا خلاف على قانون الإيمان.
لا رموز للمسيح: «أولًا» لأنه الحق المستعلن فى التاريخ الذى لا يوجد فيه من يرمز له. ولم يستطع شخص أيًا كان أن يقول «أنا المسيح»، إلا إذا كان قد أصيب بجنون العظمة. ولكن مجمع القديسين هو تجسيد للمسيح؛ لحياته وتعليمه، واتحادهم بالرب نفسه متجسدًا ومصلوبًا وقائمًا من بين الأموات. فالحق لا رمز له لأنه ليس خفيًا، ولا هو غامض ولا هو مستتر. صحيح أنه مستتر عن الحواس، ولكنه محسوس فى مجمع القديسين، وبكل يقين، من يمس مسيحيًا بالقول أو بالفعل، فهو يمس المسيح نفسه المتجسد فى هذا المسيحى.
«ثانيًا»، وكما لم يستطع شخص أن يقول أنا المسيح، هكذا ليس لأحد أن يقول «أنا الكنيسة»، لأن الكنيسة عمرها تجاوز ١٩٠٠ سنة ممتدة من الرب والآباء الرسل والشهداء والأبرار حتى يومنا هذا، ولا يمكن لشخص أيًا كان أن يختزل هذا التاريخ بطوله وعرضه فى نفسه. وإن كان ذلك لم يمنع أننا رأينا ملامح المسيح فى صحراء الإسقيط، وفى البرية الشرقية، وعلى امتداد الوادى، وعاش بيننا بشر كان لهم الولاء والصدق والأمانة ليسوع الرب وعاملونا بمحبة أبوية، وكانت لهم تضحيات ظاهرة، وكانوا فرسان الحقيقة، أو بالحرى فرسان من قال «أنا الحق».
على الرغم من المحاولات العقلية لوضع بدائل المسيح، فإن هذه المحاولات قد فشلت تمامًا لأن محبة المسيح لا يمكن أن تُحاصر عقليًا، ويسقط الحصار أمام قوة حضور المسيح فى العالم وفى حياة الذين اتحدوا به.
ولذلك عندما يتم توظيف الادعاء بأن نقد أسقف أو غيره ينال من المسيح، فهذا كذب وافتراء لا يجب خلطه بالملفات السياسية والاجتماعية، لأن الرب نفسه هو الذى منع هذا الخلط بقوله: «مملكتى ليست من هذا العالم». فالسيد المسيح ليس فكرة أو نظرية اجتماعية أو سياسية. ومحاولة الزج بالسيد المسيح أو بالكنيسة فى أى معترك سياسى هى خداع واضح يحاول به المدعون أن يجعلوا من وجودنا كمسيحيين، وجودًا سياسيًا خاصًا بنا، وإن كانوا يرونه من منظور دينى أو لاهوتى. وهو ذات الإيديولوجية التى عبّر عنها مسلسل «الاختيار» بدقة أبرزت محاولة جماعات التكفير هدم الدولة المصرية. وقد طرح الحوار، وتتابع أحداث المسلسل الذى تجلت فيه براعة أطقم التمثيل والإخراج وكل من أسهم فى هذا العمل الذى يرقى إلى مستوى عالمى، سؤال تحول الدين إلى تشكيل عسكرى يعلّم بكراهية الآخر للدرجة التى يصبح معها قتله حلالًا من الحلال. وهو موقف لا يختلف عن موقف الأسقف الذى وصف الدارسين بأنهم فئران، وأنه أخذ على عاتقه عودة الفئران إلى جحورها. وكان واجبًا على هذا الأسقف أن يعتذر كمسيحى أخطأ فى حق إخوته، إلا أنه أبى لأسباب لا داعى لذكرها.
لا شك أن الإيمان والعقيدة هما سبب وجود الطقس أو الممارسات، ولدينا فى التاريخ- وهو العمود والمرجعية التى يهرب منها المشاغبون- الكثير من الوقائع التى بدّلت فيها الكنيسة طقسًا بطقس تبعًا لاحتياجات الكنيسة فى عصر من العصور. لذلك فإنى أرى أن الإصرار على التمسك بطقس مُعين- ثبتت خطورته على صحة المؤمنين وغيرهم- ليس إلا نوعًا من ممارسة سلطان كهنوتى زائف لا علاقة له بالمسيح. ومن التاريخ نعرف أن بطاركة ماتوا بالسُم لمحاولتهم تغيير بعض العوائد السائدة فى المجتمع.
لا خلاف بيننا على محاولات جماعات التكفير هدم الدولة المصرية، ولذلك ضايقنى صمت الأقباط على محاولة اعتبار الأنبا رافائيل ممثلًا للكنيسة، وأنه فوق النقد أو المساءلة الطبية أو القانونية، حال كونه ضد تغيير ممارسة تقود حتمًا إلى المرض والموت، وبالتالى يجب إبطالها. واعتبار أن ما نُشر فى «روز اليوسف» هو نيل من الكنيسة، ليس إلا زجًا بالكنيسة فى معترك سياسى معقد لا يجب أن يوظف للنيل من سيادة الدولة المصرية، لأن النيل من هذه السيادة هو ذات هدف جماعات التكفير.
لذلك يجب ألا يدّعى شخص أنه هو الكنيسة، وأنه يمثلها بحيث لا يُسمح للدولة أن تمارس سلطانيها القانونى والتشريعى.
رحم الله كل من أدرك أنه يناقش حقائق، مدركًا أن الحق واحد، هو الذى قال «أنا هو الحق».