رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف فشلت BBC فى تلميع تركيا؟


عدسات نظارة أورلا جيرين مصنوعة، غالبًا، من زجاج مرآة الحب العمياء. ولولا ذلك، ولو كانت قواها العقلية جيدة، ولو لم تكن من المؤلفة جيوبهم، ما سألت: كيف نجحت تركيا فى احتواء الوباء؟ وما تحولت إلى نعجة وديعة فى إسطنبول، بعد أن كانت قطة شرسة فى القاهرة.
بمعدلات مرعبة، تتزايد أعداد مَنْ أصابهم فيروس كورونا المستجد، أو حصد أرواحهم، فى تركيا، بينما يصر الرئيس التركى، كعادته، على المقامرة بأرواح شعبه، ويواصل تعامله مع تفشى الوباء، فى بلاده، بالرعونة المعتادة أو بالغباء المستحكم المعهود، مكتفيًا بتلميع، تطبيل، أو تضليل، آلته الدعائية، التى تضم كل وسائل الإعلام التركية، الحكومية والخاصة، و«الجزيرة» وأخواتها، وهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، التى زايدت على هذه وتلك، وأوكلت مهمة تلميع النظام التركى إلى أورلا جيرين، التى احترفت، مع زوجها، الكذب والفبركة.
مراسلة «بى بى سى» فى إسطنبول، التى احتفلت الشهر الماضى بعيد ميلادها الحادى والخمسين، كانت لها فى القاهرة علامات وكوارث وفضائح، بجلاجل وشخاليل، أبرزها حين ادعت أن فتاة اسمها «زبيدة» مختفية قسريًا، واتضح أن تلك الفتاة تركت أهلها لتعيش مع زوجها، الذى أنجبت منه طفلًا، كان عمره سنة تقريبًا، وقت الفضيحة. أما زوجها فهو مايكل جورجى، مدير مكتب وكالة «رويترز» السابق فى القاهرة، الذى هرب من مصر، أواخر أبريل ٢٠١٦، بمجرد أن لوحت وزارة الداخلية بملاحقته قضائيًا إثر قيامه بفبركة تقرير عن طالب الدكتوراه الإيطالى جوليو ريجينى، الذى لا تزال ملابسات مقتله لغزًا.
وقت كتابة هذه السطور، وصل عدد المصابين، فى تركيا، طبقًا للإحصاءات الرسمية، إلى ١٦٤ ألفًا، وبلغ عدد الضحايا ٤٥٤٠، بعد أن كان ٤٣٩٧، وقت كتابة جيرين تقريرها. ومع أنها أقرت بأن الأطباء هناك «يعتقدون أنّ الرقم الحقيقى قد يكون الضعف»، فإنها استدركت بأن الرقم، فى الحالتين، «منخفض نسبة لعدد السكان الذى يبلغ ٨٣ مليونًا». وزادت على ذلك فادّعت أنه يُنظر، بضم الياء، إلى تركيا «كقصة نجاح فى الحرب ضد الوباء»!.
الأطباء فى تركيا ممنوعون من الحديث لوسائل الإعلام، وكان الاعتقال مصير كل المواطنين والصحفيين الذين كتبوا آراء أو شاركوا معلومات عن تفشى الوباء، فى حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعى، ومع ذلك، تحدثت الطبيبة ملك أصلان، مديرة الصحة العامة فى مديرية الفاتح، إلى «جيرين»، وقالت إنّها بدأت بتعقّب الفيروس منذ اليوم الأول «متسلحة بخبرة عقود فى تعقّب الحصبة»، ثم زعم التقرير أن جيريمى روسمان، الأستاذ المحاضر بعلم الفيروسات فى جامعة كينت، يرى أنّ «تركيا نجحت فى تفادى كارثة أكبر بكثير»، وضمها إلى «مجموعة صغيرة من الدول التى اتخذت إجراءات فعالة للغاية للحدّ من انتشار الفيروس».
الأستاذ المحاضر والباحث فى الجامعة البريطانية، سبق أن قرأنا اسمه ثلاث مرات وتلك هى الرابعة، فى المرة الأولى زعم أن مناعة القطيع قد تكون غير فعالة فى مواجهة الوباء، وقال، فى الثانية إن الفيروس «قد يسبب اضطرابات عصبية عن طريق العدوى المباشرة للدماغ»، أما المرة الثالثة، فكان فيها واحدًا من الخبراء الذين قالوا لـ«سى إن إن» إن «أردوغان فشل فى إدارة أزمة كورونا». وفى تصريحاته للشبكة الأمريكية، انتقد الإجراءات، التى اتخذتها السلطات التركية، ورآها غير كافية مقارنة بمعدل تفشى الوباء.
ربما لم يقل المذكور ما نقلته عنه «جيرين»، أو قد يكون ناله من حب الآلة الدعائية التركية القطرية البريطانية جانب، كذلك الذى ناله إرشاد شيخ، ممثل منظمة الصحة العالمية، الذى قال كلامًا عبيطًا من عينة أن الوباء «حديث جدًا»، وأنه كان يتوقع إصابة أعداد أكثر، ما قد يجعلك تعتقد أن عدد المصابين ١٦٤ أو ١٦٤٠ أو ١٦٤٠٠ وليس ١٦٤ ألفًا. وغالبًا ستضحك، كما ضحكنا، حين تجد أسفل التقرير إشارة، معتادة، إلى أنك ستجد «المزيد حول هذه القصة» فى تقرير عنوانه «تركيا تطعم الحيوانات الضالة فى ظل تفشى الوباء».
بعيدًا عن ذلك كله، تظل الحقيقة المؤكدة هى أن أعداد المصابين والضحايا فى تركيا تتزايد بمعدلات مرعبة. وقطعًا، ستكون هناك عواقب سياسية واقتصادية ستستمر إلى ما بعد نهاية الوباء، ولن توقفها محاولات التعتيم، التى يقوم بها أحمق تركيا، أو أكاذيب الدواب الضالة التى يطعمها، أو فبركات الدببة التى تراه بنظارة الحب أو عبر مرآته العمياء.
الدواب، جمع «دابة»، وهى كلُ ما يَدِبُّ على الأرض، وجرت العادة على استخدام اللفظ فى وصف ما يمكن ركوبه، كالخيل والبغال والحمير، وغيرها من الكائنات التى خلقها الله «لتركبوها» لا لتناقشوها. وهى تختلف عن «الدببة» التى قال المثل إنها تقتل أصحابها، بالضبط كما فعلت «أورلا جيرين»، التى ضربت «BBC»، ومن يستعملونها، فى مقتل.