رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يحارب «الموساد» كورونا؟


الكيان، الذى كان يزعم أنه متقدم علميًا، بشكل عام، وطبيًا على وجه الخصوص، اعتمد، بشكل أساسى، على جهاز مخابراته «الموساد» فى جلب الإمدادات، المعدات، والمستلزمات الطبية من الخارج. وداخليًا، واصل جهاز الأمن العام «الشاباك» التجسس على المواطنين، والتنصت على مكالماتهم التليفونية، بزعم ملاحقة الخاضعين للحجر الصحى، أو الذين كانوا على اتصال بالمصابين.
الإصابة الإسرائيلية الأولى بفيروس كورونا كانت فى ٢١ فبراير الماضى. وفى بداية مارس، زعمت الحكومة الإسرائيلية أن لديها ٥٠ عالمًا فى المعهد البيولوجى يعكفون على تطوير لقاح مضاد للفيروس، وخرجت الصحف العبرية بعناوين تؤكد أن اللقاح سيتوفر خلال أسابيع. قبل أن تشير جريدة «هاآرتس»، فى ١٨ مارس، إلى أن الأمر يحتاج إلى سلسلة من الاختبارات والتجارب، قد يمتد لعدة أشهر. وتدريجيًا، اختفى الكلام عن العلماء، وتصدر «الموساد» المشهد.
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، أصدر بيانًا، فى ٢٤ مارس الماضى، أعلن فيه عن تشكيل فريق بقيادة يوسى كوهين، رئيس الموساد، ومائير بن شبات، رئيس مجلس الأمن القومى، لشراء المعدات الطبية من الخارج. وفى ٣٠ مارس قالت جريدة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إن الموساد حصل على ١٠ ملايين كمامة، وآلاف وحدات اختبار، وعشرات أجهزة التنفس الصناعى. كما ذكرت صحف إسرائيلية عديدة، فى ٥ أبريل الجارى، أن جسرًا جويًا من ١١ طائرة تابعة لشركة العال قام بنقل مستلزمات طبية، نجح جهاز الموساد فى تجميعها من شركات صينية، شملت ملابس وقاية، كمامات، قفازات، معدات طبية، وأجهزة تنفس صناعى.
الكشف عن دور الموساد فى محاربة الوباء أثار دهشة الإسرائيليين، قبل غيرهم، وكان التفسير الأقرب هو أن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى المنتهية ولايته، يريد استغلال ذلك سياسيًا، أو للتغطية على فشل حكومته فى مواجهة الوباء، الذى تتزايد معدلات الإصابة به بصورة مرعبة. ثم تحولت الدهشة إلى انتقادات حادة بعد الكشف عن عدم صلاحية ١٠٠ ألف وحدة اختبار، جلبها الجهاز، بالإضافة إلى فساد وانتهاء صلاحية مستلزمات طبية أخرى!.
الطريف، هو أن الدهشة المنطقية غابت، والانتقادات الحادة اختفت، فى تقرير نشرته جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وحلت محلهما إشادة بالدور الذى يلعبه الموساد، الذى كان رئيسه، يوسى كوهين، ضمن من دخلوا الحجر الصحى لتواصلهم مع يعقوب ليتسمان، وزير الصحة الإسرائيلى، الذى أصيب بالفيروس الشهر الماضى. والأخير، حاخام، لا علاقة له بالطب، ويرى أن الحل الأمثل لمواجهة الوباء هو «الصلاة والدعاء بأن يأتى المُخلَّص (بكسر وتشديد اللام) وينقذ الإسرائيليين». وكنتيجة طبيعية لهذا الحل السحرى، كان غالبية المصابين بالفيروس (حوالى ٦٠٪) من اليهود المتشددين، المعروفين بـ«الحريديم»، مع أنهم لا يمثلون غير ١٢٪ فقط من إجمالى عدد الإسرائيليين!.
تقرير «نيويورك تايمز»، وصف جهاز المخابرات الإسرائيلى بأنه «سلاح إسرائيل غير السرى فى الحرب ضد فيروس كورونا». ونقل عن مسئولين طبيين وأمنيين إسرائيليين أن «جهاز كوهين القوى» مشارك بصورة وثيقة فى الحرب الإسرائيلية ضد الفيروس، وأنه أصبح واحدًا من أهم المرتكزات التى تعتمد عليها السلطات الإسرائيلية من أجل الحصول على المعدات الطبية وتكنولوجيا التصنيع. وأشار التقرير إلى أنه «فى ظل تنافس دول العالم بشراسة على الإمدادات الطبية المحدودة، فإنها تلجأ إلى أى مساعدة متاحة، وتستعرض عضلاتها دون أى غضاضة». ومع هذه التخريجة، أو هذا التبرير، أضافت الجريدة الأمريكية أنه «بعدما قرر الموساد أن إيران، التى تكافح كورونا داخليًا، لم تعد تمثل تهديدًا أمنيًا فوريًا، أصبح بإمكان الجهاز المشاركة بصورة قوية فى حالة الطوارئ الصحية».
عن إسحاق كريس، المدير العام لمركز شيبا الطبى، أكبر المستشفيات الإسرائيلية، نقلت «نيويورك تايمز» أنه مع تزايد أعداد الإصابات وظهور الحاجة إلى عدد أكبر من أجهزة التنفس الصناعى، تدخل كوهين ليساعد، عبر جهازه، النظام الصحى الإسرائيلى. وبدأ الموساد على الفور فى تنشيط شبكته الدولية لتأمين الاحتياجات المطلوبة. كما ذكر كريس أن الموساد ساعد أيضًا فى الحصول على بعض المعدات التكنولوجية من خارج إسرائيل، التى مكنت العديد من المختبرات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية من إجراء دراساتها على الفيروس. وطبيعى أن يرفض المذكور الإفصاح عن الأماكن أو الدول التى جلب الموساد المعدات منها، والتى لا نعرف منها غير تركيا.
أما زلت تحاول الإجابة عن السؤال المطروح فى العنوان: كيف يحارب الموساد كورونا؟! أو كيف تمكن من لعب الدور الذى أوكلته إليه الحكومة الإسرائيلية؟!
الإجابة ستجدها، طبعًا، فى الشكاوى الدولية المتكررة من السطو على شحنات المعدات والمستلزمات الطبية أو توجيهها إلى غير وجهتها. ولن نختلف لو رأيت أن دولة الاحتلال تتنافس، أو تتعاون، مع الولايات المتحدة، ألمانيا، تركيا، وغيرها من الدول التى تريد أن تجعل البقاء للأكثر انحطاطًا والأكثر قدرة على اللعب القذر.