رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مغزى التكافل فى وقت المحنة


فى وقت المحنة يظهر معدن الإنسان الأصيل.. تتكشف العلاقات والسلوكيات والأخلاقيات والماديات والروحانيات.. يظهر معدن الإنسان إن كان من ذهب أم من صفيح بلا قيمة.. إننا فى أَمَسِّ الحاجة الآن لأن يظهر معدننا الأصيل، لأننا نعايش وقت محنة خطيرًا لكنه مؤقت.. مخيف لكن يمكن النجاة منه.
إنه زمن كورونا الذى ليست له أى تجارب مماثلة أو سوابق مشابهة أو معلومات دالة على كيفية تجاوزه.. إنها محنة عالمية عابرة للقارات، تنتشر فى الهواء من دولة إلى دولة ومن قارة إلى قارة، وتحاول كل دولة من ناحيتها ووفقًا لإمكانياتها وقيادتها وحكومتها ومسئوليها وعلمائها وشعبها أن تجتهد فى التصدى لها ومواجهة تداعياتها، إلا أنه وفقًا لكل المؤشرات والحسابات فإن زمن «كورونا» هو أقسى محنة يشهدها العالم ويعانى منها من أقصاه إلى أقصاه فى نفس الوقت وبلا رحمة، فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن أن العالم لم يمر بمثل هذه المحنة فى كل المجالات منذ مائة سنة.
ومن خلال متابعتى تداعيات الفيروس الفتاك خلال هذا الأسبوع الأخير فى العالم وفى مصر أستطيع أن أقول إن هذا الفيروس الفتاك هو الذى يختار ضحاياه ولا يميز بين صغير أو كبير، شاب أو مُسنّ، إنه يفتك بالأرواح ويصيب النساء والرجال على السواء، ولا أحد يمكنه أن يتكهن بمساراته أو بمسبباته على وجه التحديد، ففى بداية ظهور كورونا قال العلماء إن العدوى تنتقل باللمس ثم الآن يقول العلماء إنها تنتقل بالتنفس.
ولا شك أننا أيضًا فى مصر، ورغم كل الإجراءات الاحترازية منذ البداية التى طالب بها الرئيس والحكومة والمجتمع المدنى فإننا فى حاجة إلى المزيد من اتخاذ الاحتياطات والانصياع للإجراءات الاحترازية وسبل الوقاية والحذر من الاختلاط، وأعتقد، ووفقًا لمتابعة الأحوال العالمية، أننا سنكون أمام وقت شدة قد يطول قليلًا ولا ينتهى فى القريب العاجل، وعلينا أن نواجهه بالحذر والحرص واتباع التعليمات والحرص على المسافات والتطهير والحماية للنفس وللآخرين بقدر ما نستطيع، ولا شك أنه سيلقى بظلاله على كل الأسر وعلى كل الأعمال العامة والخاصة والمهن، ولا شك أن الآثار الاقتصادية ستصيب المجتمع كله ولا بد أنه سيكون مرهقًا للجميع.
وهنا أعتقد أن رجال الأعمال والقادرين يمكن أن يكون لهم دور وطنى بارز وفعّال بالتعاون مع الدولة فى مواجهة المشكلات الاقتصادية المتوقعة والمقبلة.. إننا نأمل أن يتكاتفوا مع الدولة بشكل أكبر لأنها قد أثبتت لنا أنها نجحت فى وقت المحنة فى حماية الشعب المصرى واتخاذ الإجراءات الاحترازية الضرورية وعلاج المصابين وتطهير مواقع عامة كثيرة وتوفير السلع جميعها دون تبطؤ ومتابعة الأحوال والحظر الواعى وإعادة العالقين المصريين فى الخارج وتوفير الأمن للأسر فى البيوت ومواجهة الإرهاب وغيرها من الخدمات العامة والمتنوعة التى يصعب حصرها هنا.. أثبتت لنا الدولة المصرية أنها قادرة على رعاية كل المواطنين، ولا شك أننا فى شهر أبريل الذى يبدأ بيوم اليتيم ويتطلب دعمًا ماديًا ومعنويًا للأيتام فى كل ربوع مصر الذين هم فى دور الأيتام أو خارجها. كما سيهل علينا أيضًا بعد بضعة أيام إن شاء الله شهر رمضان الكريم الذى يتطلب التراحم والتكافل وإخراج الزكاة للمحتاجين وللأسر الأقل حظًا، لذا فإنه لا بد من أن تتضاعف المساهمات المادية والعينية للذين تضرروا من فقدان أعمالهم أيضًا.
إن لدينا ملايين الأسر فى حاجة إلى الدعمين المادى والمعنوى خلال شهر رمضان الكريم، وإننا نأمل أن تقوم الدولة بفتح باب التبرعات بشكل ميسر لمن يرغبون فى التبرع وفقًا لإمكانياتهم وقدراتهم.. خاصة أن هناك مهنًا فى قطاعات مهمة ستكون فى مواجهة ضائقة مالية ضاغطة فى بيوتهم وفى احتياجاتهم اليومية.. ونأمل أيضًا أن تقوم الدولة، ممثلة فى وزارة التضامن الاجتماعى، بالإعلان لنا عن الجمعيات أو المؤسسات الخيرية ذات التوجه الوطنى والأمينة على توصيل الدعم لمستحقيه.
إننى أتمنى أن تعلن لنا وزارة التضامن الاجتماعى، من خلال الوزيرة المحترمة نيفين القباج، عن قائمة بالجمعيات المصرية الأمينة على التبرعات، التى يمكن أن يتبرع لها المواطنون بأمان ودون خوف من ضياع التبرعات سواء العينية أو المادية نظرًا لتداول شائعات أو كلمات مرسلة حول بعض الجمعيات الخيرية.
نريد أن تكون هناك جهة تابعة للدولة تضمن توصيل الدعم المادى أو العينى لمستحقيه أو للذين هم فى حاجة إلى دعم سريع.
إننا نأمل أن يكون التكافل الاجتماعى هدفًا محوريًا لنا خلال وقت المحنة، بحيث يتمكن المجتمع كله من عبور هذه الأزمة الطاحنة الخطيرة المؤقتة بأقل خسائر ممكنة.
إن مغزى الدعم فى وقت المحنة هو أننا وطن عريق معدنه أصيل، وطن قادر على الانتصار على المحنة الطاحنة بتحقيق نوع من السلم الاجتماعى، بحيث يخرج منه مجتمعنا أكثر تراحمًا وسلامًا وأمنًا.