رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء محمد صالح حرب.. دور مصر فى الحركة الوطنية الليبية



العلاقات بين مصر وليبيا علاقات قديمة ومتجذرة ومتعددة فى شتى المجالات، هل ننسى أن المسيحية دخلت ليبيا عن طريق مصر، وكيف أن من ألقاب البابا القبطى إشرافه على المسيحية فى ليبيا؟ كذلك دخل الإسلام إلى ليبيا والمغرب العربى، عبر مصر، وكانت قافلة الحج تأتى من بلاد المغرب إلى ليبيا لتنضم إلى قافلة الحج المصرى وتعبر مصر إلى الحجاز.
لن نستطيع بطبيعة الحال رصد المظاهر المتعددة لارتباط ليبيا ومصر عبر العصور، ولكن هناك صفحات مجهولة، ولم يتم إلقاء الضوء الكافى عليها، من ذلك دور اللواء المصرى محمد صالح حرب فى دعم الجهاد الليبى ضد الاستعمار الإيطالى، فمَن صالح حرب؟
ولد محمد صالح حرب فى عام ١٨٨٩ فى إحدى قرى أسوان، وكان جده محمد بك على مهندسًا عسكريًا برتبة «مقدم». ويرجع نسب محمد صالح حرب إلى تزاوج بين أبيه صالح وعائلة من أشراف السودان، لذلك كان يُطلق على محمد صالح حرب لقب «ابن النيلين» و«ابن مصر والسودان».
التحق محمد صالح حرب بمدرسة خفر السواحل وتخرج فيها سنة ١٩٠٣، من هنا بدأت علاقات محمد صالح حرب بالصحراء وقبائلها، كما تولى منصب قومندان قسم مرسى مطروح، وأصبح الحاكم العسكرى والمدنى لمنطقتى مرسى مطروح وسيوة مع اندلاع الحرب العالمية الأولى.
من هنا تبدأ قصة محمد صالح حرب فى دعم الجهاد الليبى ضد الاستعمار الإيطالى الذى احتل ليبيا فى عام ١٩١١. ويستفيد محمد صالح حرب من موقعه الرسمى فى ذلك الأمر، إذ يُشرِف سرًا على تهريب المؤن والذخيرة إلى المجاهدين الليبيين. وأفزع ذلك الأمر إيطاليا التى اشتكت إلى قوات الاحتلال الإنجليزى فى مصر من أن الضباط المصريين يلعبون هذا الدور المناوئ للوجود الإيطالى فى ليبيا، ودفع ذلك السلطات الإنجليزية إلى استبدال قادة دوريات الحدود بضباط إنجليز، لكن ذلك لم يمنع محمد صالح حرب ورفاقه من الاستمرار فى تهريب المؤن والذخيرة إلى ليبيا، وساعدهم على ذلك معرفتهم بدروب الصحراء، وتميزهم فى ذلك عن الضباط الإنجليز والإيطاليين.
واستطاع محمد صالح حرب بعلاقاته الجيدة مع قبائل أولاد على فى صحراء مصر الغربية أن يقنعهم بمناصرة إخوانهم فى الجانب الليبى، والانضمام إلى جهاد السنوسيين ضد الاستعمار الإيطالى، وأدى ذلك إلى جعل الحدود المصرية سندًا لحركة الجهاد الليبى ضد الاستعمار الإيطالى.
ويروى اللواء محمد صالح حرب فى مذكراته قصة كفاحه مع الجهاد الليبى، ووثوق السنوسى شخصيًا فيه إلى الحد الذى دفعه إلى تعيين محمد صالح حرب «المصرى» قائدًا عامًا للجيش السنوسى فى كفاحه ضد المستعمر الإيطالى. كما يروى صالح حرب كيف انضم الهلال الأحمر المصرى إلى الحملة المصرية لدعم جهاد الشعب الليبى، وتوافد القوافل التى تحمل المؤن إلى جانب الأدوات الطبية اللازمة لعلاج الجرحى والمصابين من المجاهدين الليبيين والمصريين فى المعارك العسكرية ضد الاستعمار الإيطالى فى ليبيا.
ويصف السنوسى انضمام محمد صالح حرب لحركة الجهاد الليبى، وقيادته الجيش قائلًا: «ولد محمد صالح باشا أناله الله من كل الخيرات، ونبذه للدنيا بخروجه من تحت جيش الاحتلال (البريطانى) مع ما كان مقيمًا فيه بينهم من التعظيم والإجلال، فنبذ الكل والتحق بجيشنا المنصور.. لذلك اتخذته مستشارًا وقائدًا عامًا لجيوشنا.. جعل الله النصر على يده مقرونًا بيمينه».
هكذا يتضح لنا الدور المصرى فى دعم جهاد الشعب الليبى ضد الاستعمار الإيطالى، والصفحة المضيئة التى سطّرها اللواء محمد صالح حرب فى هذا الشأن، مضحيًا بمناصبه وموقعه العسكرى فى سبيل مقاومة الاحتلال الإيطالى.