رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هزيمة منطقية لإخوان الجزائر



لجماعة الإخوان فى الجزائر أكثر من واجهة، جناح أو حزب، أدى ارتباكها، تشتتها، تناحرها، اهتزاز مصداقيتها وزيادة وعى الشعب الجزائرى إلى ضعف تأثيرها، وبالتالى كان طبيعيًا أن تخرج بهزيمة ساحقة فى الانتخابات الرئاسية التى حسمها عبدالمجيد تبون من الجولة الأولى بفارق كبير عن منافسه الإخوانى عبدالقادر بن قرينة.
عبدالمجيد تبون، ٧٤ سنة، شغل مناصب وزارية منذ سنة ١٩٩٢، وفى مايو ٢٠١٧ اختاره عبدالعزيز بوتفليقة رئيسًا للوزراء «الوزير الأول»، خلفًا لعبدالعزيز السلال، لكنه أقيل قبل مرور ثلاثة أشهر، ليحل محله أحمد أويحيى، ومن سخريات القدر أن القضاء الجزائرى أدان، الثلاثاء الماضى، السلال وأويحيى فى قضايا فساد، وعاقبهما بالسجن لمدة ١٢ و١٥ سنة على الترتيب.
من بين ٨.٥ مليون صوت تقريبًا، هى عدد الأصوات الصحيحة، حصل «تبون» على حوالى خمسة ملايين، أى ما يزيد على ٥٨٪، بينما لم يحصل «بن قرينة»، صاحب المركز الثانى، إلا على أقل من ١.٥ مليون صوت، بنسبة تزيد قليلًا عن ١٧٪، وحلّ فى المركز الثالث على بن فليس، المدعوم من الإخوان أيضًا، بحوالى ١٠٪، وفى ذيل القائمة جاء عبدالعزيز بلعيد، بـ٦٫٦٪، أما عزالدين ميهوبى، الذى كانت وسائل الإعلام تصفه بمرشح السلطة، فقد حصل على المركز الرابع، أو قبل الأخير، بحوالى ٧٪ من عدد الأصوات!
النكتة، هى أن النسبة التى حصل عليها بن فليس تقل بـ٢٪ عن النسبة التى حصل عليها فى انتخابات ٢٠١٤ ضد بوتفليقة، وما يجعلها نكتة، هو أنه كان قد أرجع حصوله على تلك النسبة إلى حدوث تزوير وأصدر كتابًا عنوانه «الكتاب الأبيض»، تناول فيه ما زعم أنها تجاوزات شابت العملية الانتخابية، بينما زادت نسبة بلعيد، الذى كان قد حصل على نحو ٣.٥٪، وحل ثالثًا، فى انتخابات ٢٠١٤ بعد بوتفليقة وبن فليس.
بمجرد إعلان رئيس «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» النتائج، خرج آلاف إلى شوارع العاصمة وميادينها ليشككوا فيها، مرددين هتافات من عينة «الله أكبر، رئيس مزور».. «رئيس مزور جابوه العسكر»، ما يجعلك تستنتج أن «الإخوان»، التابعين أو المركوبين، الذين خاضوا الانتخابات باثنين من المرشحين، لم يجدوا ما يردّون به على هزيمتهم المنطقية أو الطبيعية، إلا بمحاولة تحميلها الجيش!
بن قرينة من مؤسسى حركة «المجتمع الإسلامى»، التى كانت تحمل اسم «حماس»، تيمنًا بما توصف بـ«حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية» التى تحمل الاسم المختصر نفسه، وبعد دستور ١٩٩٦ تم تغيير الاسم إلى حركة «مجتمع السلم»، وعنها اختير بن قرينة وزيرًا للسياحة والصناعات التقليدية، سنة ١٩٩٧، فى عهد الرئيس اليمين زروال، ثم سنة ٢٠٠٢ أى فى عهد عبدالعزيز بوتفليقة، وسنة ٢٠٠٨، انشق عن حركة «مجتمع السلم» وأسّس «جبهة التغيير»، التى انشق عنها أيضًا سنة ٢٠١٧، ليؤسس ويترأس حركة البناء الوطنى.
باستثناء انتخابات ٢٠١٤، خاضت جماعة الإخوان كل الانتخابات الرئاسية، منذ أول انتخابات تعددية شهدتها البلاد، سنة ١٩٩٥، والتى دفعت فيها بمؤسسها محفوظ نحناح، وفى انتخابات ١٩٩٩ و٢٠٠٤، دفعت برئيس «حركة النهضة» عبدالله جاب الله، وفى انتخابات ٢٠٠٩، تم الدفع برئيس «حركة الإصلاح» جهيد يونسى، وفى مارس ٢٠١٧ تم تشكيل تكتل واحد ضم «حركة البناء الوطنى» و«حركة النهضة» و«جبهة العدالة والتنمية»، وقرر ذلك التكتل الدفع بعبدالقادر بن قرينة فى الانتخابات، التى كان من المفترض إجراؤها فى أبريل الماضى، وألغاها عبدالعزيز بوتفليقة، بعد الاحتجاجات الشعبية على ترشحه لفترة رئاسية خامسة.
فى الانتخابات الأخيرة، دعمت «حركة النهضة» على بن فليس، بينما أعلنت «جبهة العدالة والتنمية» وقوفها على الحياد، لرفضها إجراء الانتخابات الرئاسية دون وجود توافقات وطنية، أما حزب الإخوان المركزى، أو حركة «مجتمع السلم»، التى كان بن قرينة أحد مؤسسيها ووزرائها، فقد رفضت دعمه، وأعلن رئيسها عبدالرزاق مقرى أن الحركة لا تدعم أيًّا من المرشحين الخمسة للرئاسة، وقال، فى بيان، إن «بن قرينة لم يستشر أحدًا بشأن ترشحه، ولم يطلب دعم الحركة، وهذا أيضًا ما فعله على بن فليس»، وأوضح مقرى أن الاثنين «تقدما للاستحقاق بشكل انفرادى، ونحن لسنا ملزمين بقرارهما ما دام الترشح شخصيًا»!
.. وتبقى الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية الثامن لدولة الجزائر منذ استقلالها، تعهد خلال حملته الانتخابية باستعادة المال العام الذى نهبته «العصابة»، والذى أكد على أنه يعرف مكانه، وفى أول كلمة له بعد تسميته رئيسًا، تعهد بالعمل على طى صفحة الماضى وفتح صفحة «الجمهورية الجديدة»، دون إقصاء أى طرف، وأشاد بالجيش الجزائرى وقيادته فى تأمين البلاد والحراك الشعبى، مؤكدًا أنه تعامل بحكمة مع المستجدات التى طرأت على الساحة الجزائرية.