رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الكنز المنسي".. تاريخ مكتبة البلدية مهدد بالاندثار (فيديو)

جريدة الدستور

في أحدى أحياء محافظة الإسكندرية القديمة، بقلب عروس البحر بمنطقة محرم بك، تقع إحدى أقدم المكتبات العامة بالإسكندرية، بل في مصر والعالم، والتي تحوي بين جنباتها كنوزا أدبية وتاريخية، لا يوجد مثيل منذ بداية تأسيسها الذي مر عليه أكثر من مائة وعشرين عاما.
عاصرت مكتبة البلدية أحداثا كثيرة، وتم نقلها عدة مرات، حتى أصبحت منذ عدة سنوات، وبالتزامن مع افتتاح مكتبة الإسكندرية، في طي النسيان، تبحث عن من يعيد لها مكانتها التي كانت تحتفظ بها لأكثر من مائة عام. انتقلت "الدستور" لمكتبة البلدية، للتعرف على المبنى عن قرب، ورصد ما تعانيه.

عندما تخطو بقدميك داخل مجمع الفنون، أو متحف الفنون الجميلة، تجد مبنى عريق أعلاه برج الساعة، يحمل اسم مكتبة البلدية، ورغم التحديثات التي طرأت عليه إلا أنه يحتفظ بعراقته.

بهو المكتبة ينقسم إلى قاعتين للقراءة، تحوي إحداهما صناديق خشبية صغيرة عبارة عن فهرس للكتب، ويتوسط القاعة الأخرى صناديق زجاجية يعرض بها نسخة من كتاب "وصف مصر"، وفي تلك القاعة يوجد " مصعد" لمساعدة أمناء المخازن في إنزال الكتب للقراء، وما أن ترفع عيناك إلى أعلى حتى ترى الأرفف المتوازية متراص عليها 185 ألف كتاب، تحمل عبق وعراقة التاريخ، بجانب ما يتواجد في الصناديق لعدم صلاحيته للعرض، فهناك 4 أدوار تضم بين أروقتها كنوزا لا يوجد مثلها في مكتبات مصر.
يقول علي سعيد، مدير متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، والمشرف العام على مجمع الفنون، لـ"الدستور"، إن مجمع الفنون يضم متحف الفنون الجميلة ومتحف الخط العربي، ومكتبة البلدية التي تم إنشاؤها في عام 1892، وهو بعد عامين من إنشاء القومسيون البلدي، ويرجع ذلك بأنها كانت من أولى أولويات المسئولين.

وأضاف، أن مكتبة البلدية تضم مجموعة من أهم المراجع والمخطوطات، والكتب، والتي يرجع بعضها للقرنين الـ16، 17، ومن أهم تلك المجموعات، مجموعة الأمير يوسف كمال، والتي أهداها لمكتبة البلدية، ومجموعة الأمير عمر طوسون، ومخطوطات إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا، وكتب نادرة عن الأثار المصرية، والدوريات، بجانب من كتب الرحالة الأجانب عند زيارتهم الإسكندرية، بجانب النسخة الأصلية من كتاب وصف مصر.
وتابع: "كان يرعى المكتبة على مدار تاريخها مجموعة كبيرة من السكندريين المحبين للفن والثقافة، ولكن في الآونة الأخيرة، ومع بعض التغيرات التي أصابت المكتبة، لم تلقى اهتماما، حتى عام 2008 عندما بدأ ترميمها، ولكنها كانت أعمال ترميم للمبنى والجدران، وعلى مستوى الأرشفة والتوثيق لم يتم أي شيء".

وأوضح "سعيد" أن المكتبة بها ما يزيد عن 200 ألف كتاب، تحتاج تلك الكتب النادرة أن يطرأ عليها التطور التكنولوجي والرقمي، فلم يتخذ أحدا خطوات على أرض الواقع رغم المحاولات من عدة جهات، بالإضافة إلى أنه حتى الآن الأرشيف الخاص بالمكتبة هو الأرشيف البطاقي، بجانب وجود أزمة قلة العاملين بالمكتبة، والذي يصل عددهم إلى 9 موظفين فقط، وغير متخصصين، وأغلبهم قاربوا على سن المعاش.
ولفت إلى أن ذلك هو ما يجعل المكتبة ليست مفتوحة بكل طاقتها للجمهور، "فهي غير مؤرشفة، ولا يوجد اختيار عن طريق الكمبيوتر، بجانب تعطل مصعد الكتب الذي يساعد الموظفين في نزول الكتب للقراء، عن طريق اختيار الكتاب من الفهرس البطاقي القديم، ويطلب الكتاب من أمين المخزن وينزل عن طريق المصعد، ولكن أصبح الوضع متأزم فلا يوجد أمناء للمخازن ولا مصعد، ولا عمالة كافية لعمل المكتبة بكل طاقتها، وسيظل البحث عن الكتب بشكل غير سليم".

وأشار إلى أن المكتبة يوجد بها كتب في حالة جيدة جدا، وأخرى تحتاج إلى ترميم، وذلك بسبب نقل الكتب عند تطوير المبنى، بجانب إنها كانت تضم 6000 مخطوط من أهم المخطوطات، تم نقل 5500 منها إلى مكتبة الإسكندرية، وهي اللبنة الأساسية التي قام عليها مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.
وطالب "سعيد" أن مكتبة البلدية يجب أن يعاد إليها مكانتها المستقلة، فهي مزيج من الترابط بين المبني، والكتب، والمكان، فلا بد من تطوير المكتبة، ودخول التكنولوجيا والرقمنة للحفاظ على هذا الموروث الثقافي العظيم، وإنشاء مركز لترميم الكتب، بجانب تزويد المكتبة بالموظفين المختصين، لكي تصبح مكتبة عامة تفيد المواطنين والباحثين بثرائها.

ومن جانبه قال الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التراث، ومدير جمعية التراث والفنون التقليدية، إن مكتبة الإسكندرية أقامتها بلدية الإسكندرية برجال الإسكندرية، وهي المجتمعات الأجنبية المثقفة التي كانت متواجدة في المدينة في تلك الفترة، وكانت حلقة الوصل بين مصر والعالم، ولذلك كان هناك إهداءات كثيرة قدمت لمكتبة البلدية.
واضاف "عاصم" أن بجانب ذلك، كانت وصية أعداد كبيرة من رجال الإسكندرية، عند وفاتهم إهداء مكتباتهم الخاصة إلى مكتبة البلدية، وكان من أهمها مكتبة الأمير عمر طوسون.

وأوضح أنه مع افتتاح مكتبة الإسكندرية، لم يتم الاهتمام بمكتبة البلدية، مما أدى إلى توقفها بعد فترة، وهو توقف خطير جدا، يسدل الستار على كنوز من التراث بداخل المكتبة، فالكتب بها محفوظة جيدا، ولكنها غير مستخدمة، بجانب الصحف القديمة، فما يوجد بالمكتبة يحتاج إلى تكنولوجيا ورقمنة، حتى لا نفقدها مع مرور الوقت.
وأشار "عاصم" إلى أن اتجاه الدولة بقيادة الرئيس السيسي، هو الرقمنة، وهو ما نطالب به أن يطبق بمكتبة البلدية، من تطوير يمكن أن يشارك فيه أكثر من جهة، ويتم عمل موقع إليكتروني، ليتمكن للعالم كله إن يطلع على هذا التاريخ.

وطالب عاصم، أن بداية التطوير هو عمل لجنة لتقييم الوضع الحالي، وتشكيل لعمل متحف لكنوز البلدية، والبحث جهة لرقمنة هذا الكنز، وإتاحته على الإنترنت، ووضع خطوات واضحة لفتح المكتبة للجمهور، مشيرا إلى أن مكتبة الإسكندرية بكل قيمتها لا يمنع وجود مكتبة البلدية، فالثراء الثقافي والتراثي الموجود في مكتبة البلدية لا يوازي ما هو متواجد في أي مكتبة أخرى، فبها نوعية مختلفة من الكتب لها تاريخ عريق.