رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة بريطانيا العظمى



العظمى هى الجريمة طبعًا، لأن المملكة المتحدة التى كانت تحمل تلك الصفة، غربت عنها الشمس ولم تعد، قبل خمس سنوات، على الأقل، من جلوس الملكة إليزابيث الثانية، على تلّها أو عرشها.
الملكة التى تجلس على التل أو العرش منذ سنة ١٩٥٢، أى منذ حوالى ٦٧ سنة، يمنحها الدستور البريطانى، غير المكتوب، خلافًا لما هو شائع، صلاحيات مطلقة، تبدأ بعدم إمكانية مقاضاتها، ولا تنتهى بحق إقالة رئيس الوزراء وحل مجلس العموم «البرلمان». والخميس الماضى، ذكرت تقارير نشرتها صحف بريطانية، بينها جريدة «صن» أنها تنوى التقاعد عندما تتم عامها الخامس والتسعين، أى فى ٢٠٢١. لكن هذا ليس موضوعنا. موضوعنا، هو هجوم «جسر لندن»، الذى أودى بحياة شخصين قبل أن يستهدف رصاص الشرطة منفذ الهجوم، ليكون هو الضحية الثالثة.
يقولون إن بريطانيا هى مطبخ مؤامرات العالم، ويدعم هذا التصور حجم نشاطها المخابراتى الضخم، وثبوت تورطها فى عدد كبير، كبير جدًا، من عمليات التصفية والتجسس والعمليات العسكرية غير الرسمية. لكن هل يمكن أن تصل بها الحال إلى التآمر على نفسها؟!.
سبب هذا السؤال هو أن تلك الدولة ما زالت تفتح أبوابها وأحضانها للإرهابيين، وتسمح لهم بالسيطرة على منابر المساجد وبامتلاك منصات إعلامية، تمولها أجهزة مخابرات دول معروفة بدعمها للتنظيمات الإرهابية. وعليه، لم نفاجأ حين عرفنا أن منفذ هجوم جسر لندن سبقت إدانته فى جريمة إرهابية، وأنه حصل فى ديسمبر الماضى على إطلاق سراح مشروط!.
اسمه عثمان خان «٢٨ سنة»، من مواليد من مدينة «ستوك» وسط إنجلترا، وينتمى لأسرة تعود أصولها إلى الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من إقليم كشمير، وهناك قضى فترة مراهقته، ولم يحصل على أى مؤهل. وبعد عودته إلى بريطانيا، تتلمذ على يد أنجم تشودرى، زعيم تنظيم «المهاجرون» المحظور بموجب قانون مكافحة «الإرهاب» البريطانى، والذى يوصف بـ«إمام الإرهاب»، وصار لاحقًا معروفًا باسم «الداعية الداعشى». والنكتة هى أن «تشودرى» هو الآخر عوقب فى ٢٠١٦ بالسجن لخمسة أعوام ونصف العام، وقبل مرور نصف المدة، تم إطلاق سراحه فى أكتوبر ٢٠١٨، على أن يكمل ما تبقى من العقوبة تحت الرقابة!.
بمرور الوقت أصبح «خان» داعية للتطرف عبر شبكة الإنترنت، وتمكن من جمع عدد لا بأس به من الأتباع. وظل يمارس أنشطته، حتى عوقب فى فبراير ٢٠١٢ مع ٨ آخرين بالسجن بتهمة التخطيط لإنشاء «مركز لتدريب الإرهابيين» على أرض تملكها عائلته فى كشمير. ووقتها، كان عمره ١٩ عامًا، وأصغر أفراد المجموعة سنًا، لكن المحكمة وصفته مع اثنين آخرين، هما نظام حسين ومحمد شاهجان، بأنهم «متطرفون أكثر جدية» وقضت بعدم إطلاق سراحهم «إلا إذا لم يعودوا يمثلون تهديدًا»، غير أن هذا الشرط تم رفعه لاحقًا، وحصل خان وزميلاه فى ديسمبر ٢٠١٨ على إطلاق سراح مشروط مع ارتداء «سوار كاحل» إلكترونى.
ضابط مراجعة جرائم الإرهاب، كتب تقريرًا فى يوليو ٢٠١٣، ذكر فيه أن خان كان واحدًا من ٣ سافروا إلى المناطق القبلية التى تديرها الحكومة الفيدرالية فى باكستان وخططوا لتمويل وبناء معسكر لتدريب الإرهابيين فى كشمير. وجاء فى التقرير أنهم كانوا جزءًا من مجموعة تحتفظ بنسخ من مجلة اسمها «إنسباير» يصدرها تنظيم القاعدة باللغة الإنجليزية. وأشار التقرير إلى أن هناك قائمة بخط اليد لأهداف تلك المجموعة الإرهابية، تضمنت عناوين عمدة لندن، الذى كان وقتها هو بوريس جونسون، رئيس الوزراء الحالى، وعميد كاتدرائية القديس بولس، والسفارة الأمريكية فى لندن، بالإضافة إلى بورصة الأوراق المالية.
هل يمكن إرجاع جريمة «جسر لندن» وجرائم أخرى شبيهة شهدتها وقد تشهدها بريطانيا إلى وجود ثغرات فى نظامها الأمنى، أو إلى حالة من الانفلات تعجز السلطات هناك عن السيطرة عليها؟!.
لا نعتقد أن «نعم» هى الإجابة الصحيحة، لأسباب كثيرة، أبسطها أن تيريزا ماى، رئيسة الحكومة السابقة، كانت قد أعلنت فى ٦ يونيو ٢٠١٨، أنها ستبذل مزيدًا من الجهد لتقييد حرية وحركة المشتبه فى كونهم إرهابيين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لمحاكمتهم. وبالنص قالت: «إذا كانت قوانين حقوق الإنسان لدينا تمنعنا من القيام بذلك، سنمزق تلك القوانين».
نحن، إذن، أمام معادلة مربكة، لأن الإرهابيين، كما قلنا مرارًا ونكرر، لا يحركهم «المعتقد» فقط، بل تحركهم أيضًا أو غالبًا، أجهزة مخابرات دول. وبالتالى فإن المعادلة المربكة، ستكون أكثر إرباكًا وارتباكًا، لو عرفت أن المملكة المتحدة متهمة دائمًا، بأنها تحاول تخريب مركز الاتحاد الأوروبى المخابراتى «EU INTCEN»، الذى يتولى مهمة الإنذار المبكر بأى تهديدات عسكرية أو جرائم إرهابية محتملة!.