رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللمبى يمتحن طلبة إعلام!


بعبارة «أنا شربت فعلًا»، علقت شروق عبدالظاهر، فى ٢٥ أكتوبر الماضى، على تدوينة أو نكتة قديمة سخيفة يتم تداولها منذ سنوات: «ما قولتلك يا نوسة بلاش إعلام، قولتيلى لقد خُلقت إعلامية وعملتيلى فيها منى الشاذلى اشربى بقا». وقطعًا لم يخطر على بالها أو على عقل بشر، أن تنتقل تلك التدوينة من حسابها على «فيسبوك» إلى ورقة أسئلة امتحان اللغة العربية لطلبة الفرقة الأولى بكلية الإعلام، جامعة القاهرة!.
شروق طالبة فى الكلية. ولو كنت سعيد الحظ واطلعت على ورقة الأسئلة، ستجد أنها خصصت التدوينة، البوست أو المنشور لـ«الأصدقاء فقط». ما يعنى أن واضع أسئلة الامتحان، أحد هؤلاء الأصدقاء، وأن التدوينة أعجبته، للدرجة التى جعلته يحتفظ بصورة شاشة «سكرين شوت» منها، لتكون بعد شهر تقريبًا، هى موضوع السؤال الأول: أعد كتابة المنشور التالى بلغة عربية سليمة.
هذا الاستظراف قد يكون مقبولًا من فتاة صغيرة أو شاب «طايش». لكنه لن يكون كذلك، لو افترضنا حسن النية، من عضو هيئة تدريس بجامعة عريقة يقترب من الستين: محمد محمد محمد عليوة، مواليد ٢٩ ديسمبر ١٩٦٢ حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة عام ١٩٨٥ ولم يحصل، إلا سنة ٢٠٠٤، على درجة الدكتوراه فى الأدب المقارن من جامعة كمبلوتنسى «مدريد المركزية سابقًا»، أى بعد ١٩ سنة خدمة. وهو الآن، مدرس البلاغة والنقد الأدبى والأدب المقارن بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
النكتة قديمة وسخيفة ولا تسىء إلى المهنة وإلى كلية الإعلام فقط، بل إلى المنظومة التعليمية فى مصر بأكملها. ولو لم تكن متابعًا، ستعرف بقليل من الجهد أن التدوينة التى ترافقها لقطة من فيلم «اللمبى»، إنتاج ٢٠٠٢، تجمع بين السيدة فرنسا «عبلة كامل» والأستاذة نوسة «حلا شيحا» يجرى تداولها، منذ نهاية ٢٠١٣، بصياغات مختلفة: «ما قولتلك بلاش تربية يا نوسة قولتيلى لقد خلقت مربية أجيال وعملتيلى فيها وزيرة التربية والتعليم. اشربى بقى».. «ما قلتلك بلاش طب يا نوسة قولتيلى لقد خُلقت بلسمًا وعملتيلى فيها صابونة لوكس اشربى بقا».. «ما قلت لك بلاش هندسة يا نوسة».. إلخ.
الأكثر غرابة من السؤال هو أن «الدكتور» عليوة برر رفضه التعليق على الجدل الذى أثاره بقوله: «المؤسسة التى أنتمى إليها، وهى جامعة القاهرة، لم تسمح لى بالتعليق».. «لا أبدى رأيًا سلبيًا أو إيجابيًا، لأنى لا أملك السماح بالكلام من قيادة الجامعة». وأشار إلى أن الموضوع له أطراف أخرى ولا يخصه بمفرده. ولا نعتقد أنك ستختلف معنا فى أن إجابة كهذه، لا يمكن توقعها إلا من الأستاذ «اللمبى»، تلك الشخصية الطريفة، التى قدمها محمد سعد فى عدة أفلام!.
اللمبى يسكن، فعلًا، عقل «الدكتور» عليوة، وستستنتج ذلك، بسهولة، لو قرأت فى سيرته الذاتية «لدينا نسخة منها» أنه «شارك فى معسكرات طلابية داخلية وخارجية فى كل من الإسماعيلية وبلطيم والإسكندرية. وكان آخرها رحلة مشروع قناة السويس الجديدة»، مكررًا أو مستعيدًا ذلك المشهد الشهير فى فيلم «اللى بالى بالك» حين قال «اللمبى» مخاطبًا لجنة حقوق «أو حموم» الإنسان: التشرد الأطفالى مش موجود هنا بس، بالعكس أبسليوتلى.. التشرد ده موجود على مستوى العالم كله، فى العتبة ميدان عابدين «الديزة» أى الجيزة.
ما لفت نظرنا أو استوقفنا، هو أن كلية الإعلام ذكرت، فى بيان عجيب، أن أستاذ المادة استهدف- حسب قوله حين سُئل- قياس مهارات الطلاب وقدرتهم على تحويل الجمل «العامية» إلى صياغة عربية صحيحة. وزعمت أن الجملة الواردة فى الامتحان «لم تخرج عن الهدف الذى يقصده أستاذ المادة، وإن حملت بعض ألفاظها دلالات تخرجها عن الهدف». والكلام، كما ترى، يخاصم بعضه بعضًا. وعلى هذا النحو سار البيان الذى أشارت فيه الكلية إلى أن امتحان منتصف الفصل الدراسى هو مسئولية أستاذ المادة ولا يتم تقديمه إلى الكلية أو عرضه عليها. ثم عادت لتؤكد أنها واجهت أستاذ المادة بملاحظتها وبعدم إقرارها لصياغة السؤال كما ورد.
علميًا، نتفق مع الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الصحافة والمستشار الإعلامى لجامعة القاهرة، فى أن السؤال يمثل هبوطًا بالمستوى، ولا يصلح لقياس القدرات والمهارات اللغوية لطالب بكلية الإعلام، لأن طالبًا بنهاية المرحلة الابتدائية يمكنه الإجابة عليه. ومشكورًا، قرر الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، إعادة الامتحان، بأسئلة مختلفة، وكلف مركز الجودة بمراجعة الامتحان الجديد، للتأكد من مطابقته لمواصفات الورقة الامتحانية.
أخيرًا، ومع تطبيق اختبارات القدرات للقبول بكلية الإعلام، هذا العام، نتمنى أن يتم تطبيق اختبارات شبيهة، فى العام القادم، لمن تنتدبهم الكلية للتدريس فيها!.