رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خاشقجى إيرانى.. مع الفارق!


عناصر تابعة لمنظمة العفو الدولية قامت، فى أكتوبر ٢٠١٨، بوضع لافتة تحمل اسم «خاشقجى»، على الشارع الذى يقع فيه مقرّ السفارة السعودية فى العاصمة البريطانية لندن، بمناسبة مرور شهر على جريمة قتل السعودى جمال خاشقجى داخل قنصلية بلاده فى إسطنبول. ووقتها، كتب مسعود مولوى، الإيرانى المقيم فى تركيا: شارع الشهيد جمال خاشقجى.. ستكون هناك نسخة إيرانية فى الطريق. وبعد أحد عشر شهرًا تحققت النبوءة، جزئيًا، مع اختلافات كبيرة، سواء فى طريقة الاغتيال أو فى الصيغة التى جرى بها تناول الحادث إعلاميًا!.
نبوءة مولوى تكررت مرتين، على الأقل، فى ١٠ فبراير الماضى كتب: سأظل حتى اغتيالى، أعارض فساد النظام الحاكم المنظم، خاصة فساد المخابرات وعائلتى لاريجانى وحسن روحانى، ولن أتوقف عن انتقاد عدم مبالاة الرئيس بفساد مرءوسيه، وقسوة وظلم القضاء، وطغيانه على حرية التعبير والمعتقد. وفى تغريدة أخرى، كتب بوضوح إنه سيتم اغتياله قبل أن يتمكن من «القضاء على قادة هذه المافيا الفاسدة».
بالفعل، اغتيل «مولوى»، فى ١٤ نوفمبر الجارى، عندما كان يسير مع أحد الأصدقاء فى حى شيشلى، بإحدى عشرة رصاصة، تم العُثور على فوارغها. وطوال أحد عشر يومًا، ظل خبر اغتياله حبيس شبكات التواصل الاجتماعى، حتى وجد طريقه، الإثنين الماضى، إلى وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المحلية (التركية). ثم كسرت وكالة الأنباء الفرنسية (أ. ف. ب) صمت وسائل الإعلام الدولية بتقرير لم يتجاوز الـ٢٠٠ كلمة، بالضبط ١٩٣ كلمة. وهو التقرير الذى نشرته، بنصه، غالبية الصحف والمواقع الإلكترونية، العربية والأجنبية، دون أى إضافات، بل إن بعضها قام بالحذف!.
مسعود مولوى، الذى تعتقد وكالة الأنباء الفرنسية أنه فى منتصف الثلاثينيات من العمر، من مواليد ١٩٨٧، ويصف نفسه فى حسابه على «تويتر» بأنه «عالم ومخترع إيرانى»، وحاصل على درجة الدكتوراه فى الذكاء الاصطناعى. وبينما قال البعض إنه عنصر منشق عن جهاز المخابرات الإيرانى، قال آخرون إنه كان مسئولًا عن الكتائب الإلكترونية لـ«الحرس الثورى» الإيرانى. أما المؤكد، فهو أنه كان يدير قناة على تطبيق «تليجرام» اسمها «جعبة سياه» أى «الصندوق الأسود»، تخصصت فى نشر اتهامات بالفساد لأعضاء فى الحكومة ومؤسسات الرئاسة، القضاء، الشرطة، والمخابرات. وتزعم أن لديها مصادر خاصة داخل تلك المؤسسات.
فى تقريرها المشار إليه، اعتمدت وكالة الأنباء الفرنسية، بشكل أساسى، على ما ذكرته وكالة أنباء «ديميرورين» التركية، التى نقلت عن شرطة بلادها أن التحقيقات لا تزال مستمرة، وأنها لا تملك معلومات فى الوقت الحاضر عن خلفية «مولوى». وبعد إشارة عابرة إلى تسجيلات مصورة نشرتها وكالة «إخلاص» للأنباء، لما تبدو أنها لحظة القتل، أضافت الوكالة: من المعروف أن لأجهزة المخابرات الإيرانية وجودًا ملحوظًا فى تركيا، حيث يقيم العديد من الإيرانيين فى المنفى، ويأتى عدد كبير لتمضية العطلات.
مقاطع الفيديو التى نشرتها وكالة «إخلاص»، الإثنين، يتداولها نشطاء على موقع «تويتر»، منذ أسبوع على الأقل الجمعة الماضى، ويظهر فيها شخص يُطلق الرصاص على آخر، قيل إنه «مولوى»، وهو يسير فى أحد شوارع إسطنبول. وغير إشارة وكالة الأنباء الفرنسية العابرة إلى تلك المقاطع، لم يلتفت إليها غيرها، مع أن الوكالة التركية الخاصة، «وكالة إخلاص»، hlas Haber Ajansı، تقدم «تبيع» خدماتها إلى حوالى عشرات الصحف والقنوات التليفزيونية، وتصدر نشراتها باللغات التركية، الإنجليزية، الفرنسية والعربية!.
حتى قناة الحدث «السعودية»، إحدى قنوات مجموعة «إم بى سى»، اكتفت فى تناولها الحادث بتقرير فى دقيقة وربع «٧٥ ثانية»، تناولت فيه بعض ما تداوله نشطاء إيرانيون. وفى لفتة طريفة، نشرت «وكالة أنباء الأناضول»، أمس الثلاثاء، تقريرًا طويلًا، تناولت فيه الاغتيالات التى قامت بها المخابرات الإسرائيلية طوال تاريخها: عنوانه «٢٧٠٠ عملية فى ٧١ عامًا». والتى شملت قادة وسياسيين وعسكريين وعلماء وأدباء، عربًا وفلسطينيين وأجانب، داخل وخارج الأرض المحتلة، مع استعراض آراء خبراء ومسئولين إسرائيليين، إسرائيليين فقط، شكك بعضهم فى جدوى الاغتيالات، ورأى آخرون أنها سلاح فعال فى أحيان كثيرة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن نصيب «مولوى» من اهتمام وسائل الإعلام، الدولية والمحلية، أفضل، نسبيًا، من زهراء رجبى، القيادية فى حركة مجاهدى التى تم اغتيالها فى إسطنبول سنة ١٩٩٦، وسعيد كريميان، صاحب قناة «جيم تى فى»، الترفيهية، الذى قام ملثمون فى أبريل ٢٠١٧، بإطلاق الرصاص عليه فى إسطنبول أيضًا. كما لا نعتقد أنك لمست اهتمامًا إعلاميًا أو سياسيًا، بالمعارضين الإيرانيين الذين تم اغتيالهم خارج تركيًا: عبدالرءوف ريجى، الذى تم اغتياله سنة ٢٠١٤، فى مدينة كويتا، غربى باكستان. وأحمد مولى، أطلق مجهولون الرصاص عليه، سنة ٢٠١٧، أمام منزله فى مدينة لاهاى الهولندية. تفتكر ليه؟!