رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيرى يكتب: إلى سماسرة الانتخابات.. عودوا إلى مقاعدكم




لا يوجد نظام انتخابى فى العالم «مثالى» بنسبة مائة فى المائة.. هذا ما أُدركه منذ سنوات طويلة.. ولكن كلما اقترب موعد استحقاق انتخابى أجدنى مدفوعًا بشاعرية عبيطة إلى الحلم بما أعتقد أنه «مثالى».. وأنه سيجرى على أرض مصر.. ولِمَ لا؟.. ونحن أول من أسَّسَ نظامًا للحياة فى الكون بحاله.
لا أعرف ماذا تعنى كلمة «الأفضل»؟.. لكننى أُصدِّق ما تعنيه كلمة «الأنسب».. ومنذ وعيت على الدنيا طفلًا يحتفى بالعربات المكتظة بـ«الجماهير» وهى تهتف لمرشح البلد، وهو قريبى بالمناسبة، فى مواجهة البلدة المجاورة لقريتى، صار أبناؤه وأبناء قريتى أصدقاء لى فيما بعد- منذ تلك الأيام وأنا أشعر بفرح شديد لأهل قريتى، البسطاء منهم بالتحديد فى أيام الانتخابات.. ومنذ ذلك الحين، قول كده ييجى ٤٥ سنة بالتمام والكمال، وأنا أسمع فى كل مرة أن هذا «النظام الانتخابى» هو الأفضل لبلادنا.. «بلدنا الكبير مصر».. وفى كل مرة يتفق المتلونون من المحللين.. والخبراء.. على أن «المرحلة» تقتضى أن نأخذ بهذا النظام.. وأن ما يصلح لبلاد أخرى قد لا يصلح لبلادنا.
لا أُنكر أن أشياء كثيرة تغيّرت.. وأن الوسائل الحديثة والتكنولوجيا التى سرحت فى كل أنحاء البلاد أسهمت بقدر كبير فى «مشاركة سياسية»، الانتخابات إحدى وسائلها، كبيرة.. وفى كل مرة أشهد جيلًا جديدًا يغمس كل تفكيره لمدة شهر أو شهرين فى عمل «أظنه سياسيًا» من الدرجة الأولى.. ثم سرعان ما ينفض المُولد برمته.. ونعود لنشكو من «غياب فى الحالة السياسية.. وتضييق على الأحزاب وما شابه».. وربما ننتقد أداء البرلمان الذى انتخبناه.. نعم انتخبناه.. لكننا ننكر ذلك بغشم شديد.. وكأن انتخابى لقريبى لأسباب قبلية ليس مشاركة فى الانتخابات.. أُنكر على الآخرين فى كل ربوع مصر اختياراتهم، سواء لأسباب قبلية أو فئوية أو «مالية».. مع أننى أفعل مثلهم.
هذا هو الحال.. أربعون عامًا كاملة.. وأنا أشارك فى اختيار نائب دائرتى، ليس لأنه الأفضل.. ولكن لأنه ابن «العائلة» الذى سيحافظ على مقعدها.. هل تملكون الشجاعة للاعتراف بما أعترف به الآن.. آه.. ستقولون نعم.. لكنكم ستُتبعونها بأن البلاد فى حاجة إلى نظام انتخابى جديد.. وكأنّ مَن سيذهبون إلى صناديق الانتخابات «ناس غيرنا».. وكأن المرشحين فى الانتخابات الجديدة تحت أى نظام لن يكونوا من أبناء عائلاتنا الصغيرة.. أو قُرانا الأصغر.. أو محافظتنا «لو اتسعت الدوائر».. أو مهنتنا لو اُضطررنا لاختيار فئوى.
لماذا أكتب هذه السطور الآن؟.. الإجابة باختصار لأننا فى انتظار عام جديد ساخن.. تجرى فيه ثلاثة استحقاقات انتخابية دفعة واحدة.. مجلس نواب.. ومجلس شيوخ.. وانتخابات المجالس المحلية التى يراهن عليها الكثيرون لتغيير وجه العمل السياسى فى البلد بحاله.. وفق ما أتاح الدستور لأعضائها من صلاحيات لم تكن موجودة من قبل.. وفى ظل غياب طال لدور هذه المجالس فى مواجهة السلطة التنفيذية، وخاصة فى القرى.
الحديث عن النظام الانتخابى المقبل.. أفرز أسوأ ما فى الانتخابات المصرية.. تلك التى شاركنا فيها أو شهدناها خلال الأربعين سنة الماضية.. لقد شكونا فى أيام مبارك الأخيرة، السنوات العشر الأخيرة من حكمه تحديدًا، من سيطرة رجال الأعمال على مجلس الشعب- كان اسمه وقتها مجلس الشعب.. كما شكونا من غلبة المال السياسى وسيطرته على الصناديق.. والأخطر ظهور جديد لسماسرة الانتخابات.
السماسرة هذه المرة لا يبحثون عن ناخب يشترون صوته بـ«مائة جنيه وشيكارة رز وقزازة زيت وكام كيلو سكر».. السماسرة هذه الأيام يمرحون فى المقاهى وأوساط «الطامحين» بحثًا عن «كبش».. يعِدونه بمقعد فى مقابل «خمسة أو ستة ملايين جنيه».
وليس سرًا أن هناك آلافًا يتوافدون على الأحزاب الكبيرة.. أو تلك التى أشيع أنها كبيرة وعلى علاقة جيدة بالمطابخ الانتخابية يبحثون عن «موقع» فى قائمة يُروج البعض لقرب اكتمالها لحصد مقاعد المجلسين «النواب والشيوخ»، رغم أن البرلمان الحالى لم يناقش نظام الانتخابات المقبل بعد.
التسريبات يروج لها بعض السماسرة ممن التحقوا بلجان بعض الأحزاب مدفوعة الأجر.. ولأن الأحزاب فى مصر، رغم عددها الكبير، فقيرة ماليًا.. وجدتها فرصة لإنعاش خزائنها الفارغة بتبرعات هؤلاء الباحثين عن فرص لاحتلال مقعد برلمانى.
من جهتى لا أظن أن القيادة السياسية فى البلاد تريد لمصر «عملًا سياسيًا» من هذا النوع.. ولم تكن دعوة الرئيس للنواب بمواجهة الحكومة ومحاسبتها منذ أسابيع مجرد ضوء أخضر لفتح النار على الحكومة كما فَهم البعض وكما يُروج له من قبل آخرين.
ما أعرفه وأُصدقه.. أننا مقدمون على فعل سياسى حقيقى.. وأن تلك المحاولات التى تجرى فى بعض الأحزاب لتشويه ما يتم الإعداد له.. هى أول ما يجب أن يتم نسفه حتى نستطيع تدشين «بناء سياسى موازٍ» لما يحدث فى الاقتصاد وباقى مؤسسات الدولة.
وبعيدًا عن اللَّت والعجن والكلام الكبير.. نحن نحتاج، وهذه وجهة نظرى، إلى نظام انتخابى أقرب إلى الناس.. لا سلطة فيه لكهنة الأحزاب.
نحن فى حاجة إلى ربط المواطن العادى بصندوق الانتخابات.. ولسنا فى حاجة إلى نظام يشعره بأن كل شىء تم ترتيبه وأنه لا دور له سوى الموافقة والرضا عمّن تم اختيارهم عبر «أنابيب السماسرة».
باختصار.. نحن فى حاجة إلى حل لمعضلة «كوتة النساء».. بعضهم يقترح قائمة بنسبة ٢٥ فى المائة للنساء فقط.. والإبقاء على النسبة الأكبر بالشكل الفردى.
عزل المواطن فى الشارع عن أى فعل سياسى مقبل سيكون ضد أى بناء سياسى حقيقى.