رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذهاب حزب الله.. وعودة الحريرى


قبل مرور ٢٤ ساعة على استقالته، التى قال إنها جاءت بعد وصوله إلى طريق مسدود، أبدى سعد الحريرى استعداده لتولى رئاسة حكومة لبنانية جديدة، مشترطًا أن تضم وزراء «تكنوقراط» قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة بسرعة لتجنب الانهيار الاقتصادى.
الحياة فى الدولة الشقيقة بدأت تعود تدريجيًا إلى طبيعتها، لكن الغموض لا يزال يحيط بالخطوة المقبلة. وبينما شدد متظاهرون على أن استقالة الحكومة، لا تكفى لكى يتركوا الشارع، دعا الرئيس اللبنانى ميشال عون، الأربعاء، الحكومة «المستقيلة» إلى مواصلة تسيير «أو تصريف» الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة. وكنا قد رجحنا أمس، أن يعيد «عون» تكليف الحريرى، بتشكيل حكومة مصغرة، متوافقة أو منسجمة. ونقلت وكالات أنباء عن «مسئول بارز مطلع طلب عدم الكشف عن اسمه»، أن «الحكومة الجديدة يجب أن تكون خالية من مجموعة ساسة بارزين شملتهم الحكومة المستقيلة»، فى إشارة واضحة إلى وزراء «حزب الله» والمتحالفين معه.
احتفالًا باستقالة الحريرى وحكومته، أشعل المتظاهرون أضواء تليفوناتهم ورفرفوا بالأعلام اللبنانية وأطلقوا بالونات وقرعوا الطبول، للتعبير عن سعادتهم بتلك الخطوة، التى وصفتها مجموعة «لحقى»، إحدى الجهات المنظمة الاحتجاجات، بأنها «إنجاز تاريخى». ومن مجمل ردود الأفعال، وآراء وتصريحات عدد من كبار السياسيين، فإن قرار الحريرى كان صائبًا. غير أن هناك شبه إجماع على أن مطلب تغيير النظام بالكامل، أو الإطاحة بالطبقة السياسية الحاكمة كلها، الذى رفعه المتظاهرون، لا يمكن تحقيقه إلا عبر البرلمان المقبل، وليس الحالى.
فى حسابه على «تويتر»، كتب أشرف ريفى، وزير العدل السابق: «‏ربح الرئيس الحريرى نفسه وأهله، وخسر (حزب الله) حكومة كرست الوصاية والفساد، وحاول إبقاءها بالعنف والقمصان السود». وفى تصريحات تليفزيونية قال وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى، إن الحريرى اصطدم برفض التغيير الحكومى وعدم قبول كل مطالبه فاضطر للاستقالة. وتحدث عن إمكانية إعادة تسمية الحريرى رئيسًا للوزراء: «كل كتلة نيابية تسمى من تريد، نحن ككتلة مشكلة من ٩ نواب، سنسمى الحريرى، وآنذاك فليأخذ المجلس النيابى مجراه الطبيعى».
ما قاله «جنبلاط»، وما رجحناه أمس، رآه نجيب ميقاتى، رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، الخطوة الأولى لحل الأزمة: إعادة تكليف الحريرى بتشكيل حكومة جديدة متجانسة، تتولى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وإقرار قانون جديد للانتخابات الجديدة. واقترح ميقاتى تقصير عمر المجلس الحالى وإجراء انتخابات مبكرة خلال ٦ أشهر، من أجل تجديد الشرعية فى البلاد. مشيرًا إلى أن الاحتجاجات غير المسبوقة التى تشهدها البلاد تعنى سحبًا لـ«الوكالة» التى تم منحها للحكم. موضحًا أن المجلس النيابى الجديد سيقع على عاتقه «إعادة النظر فى النظام والدستور».
ميقاتى «٦٤ سنة»، رجل أعمال، شغل عدة مناصب وزارية فى التسعينيات، وتولى رئاسة الحكومة اللبنانية لعدة أشهر سنة ٢٠٠٥، فى أعقاب اغتيال رفيق الحريرى، رئيس الوزراء الأسبق. وأعيد تكليفه برئاسة الحكومة سنة ٢٠١١ بعد أن تلقى الحريرى الابن طعنة فى الظهر، بإعلان ١١ وزيرًا استقالاتهم، هم وزراء حزب الله وحلفاؤه، وبالتالى صارت الحكومة، فى حكم المستقيلة باستقالة ثلث عدد الوزراء زائد واحد. والإشارة هنا مهمة إلى أن استقالة عصابة الـ١١ تم إعلانها من مكتب ميشال عون «الرئيس الحالى»، وكان جبران باسيل، صهره ووزير الخارجية فى الحكومة المستقيلة، هو من أعلنها وتلا نصها.
هذه الاستقالة، استقالة عصابة الـ١١، كما سبق أن أوضحنا، كانت حلقة فى مسلسل صراع إقليمى، لا يزال مستمرًا، وتسبب فى تردى الأوضاع السياسية، وصولًا إلى تعثر تشكيل الحكومة المستقيلة، التى لم تر النور إلا بعد أن صارت ٦ وزارات تحت سيطرة «حزب الله»، المدرج على قائمة المنظمات الإرهابية فى دول عديدة، والذى تسببت العقوبات المفروضة عليه فى جانب كبير من أزمة لبنان الاقتصادية. وطبعًا، ليست صدفة أن تقوم الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجى، أمس الأربعاء، بفرض عقوبات جديدة، على شبكة من الشركات والمصارف والأفراد الداعمين لـ«الأنشطة الإرهابية للحرس الثورى الإيرانى وحزب الله»، بحسب البيان الصادر عن رئاسة أمن الدولة فى السعودية، وشركائها فى مركز استهداف تمويل الإرهاب.
وتبقى الإشارة إلى أن «حزب الله» وحلفاءه التزموا الصمت، إلى الآن، ولم يصدر عنهم أى تصريح بشأن استقالة الحريرى وما تلاها من تطورات. وهو ما يمكن وصفه بالصمت المريب، إذ بات فى حكم المؤكد أن الوزراء التابعين لـ«الحزب» والمتحالفين معه لن يكون لهم مكان فى الحكومة اللبنانية الجديدة، حال تكليف الحريرى، أو غيره، بتشكيلها. وقطعًا سيكون على رأس المستبعدين جبران باسيلى، فى تأكيد جديد على أن «الأيام دول» وأن الأرض كروية تدور حول نفسها وحول الشمس، لا حول إيران كما أراد أتباعها وعملاؤها!.