رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سد النهضة.. كمان وكمان


اجتماعات اللجنة البحثية الفنية المستقلة الخاصة بـ«سد النهضة» الإثيوبى بدأت الإثنين، وننتظر «أو نتوقع» أن تحرز هذه الجولة، التى تستمر حتى الخميس، تقدمًا فى ملف التفاوض بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأن يقتصر دور وزراء الموارد المائية فى الدول الثلاث، الذين يجتمعون الجمعة والسبت المقبلين، على اعتماد نتائج اجتماعات تلك اللجنة المستقلة.
اللجنة تضم ممثلين لمصر والسودان وإثيوبيا، وتم تشكيلها بناء على توجيهات قادة الدول الثلاث، بعد تعثر المفاوضات طوال السنوات الأربع الماضية، بسبب عدم مرونة الجانب الإثيوبى ومحاولته التنصل مما تعهد به فى اتفاق أو إعلان المبادئ، الذى تم توقيعه فى مارس ٢٠١٥. وما قد يطمئن هو أن خضر محمد قسم السيد، رئيس الجهاز الفنى للموارد المائية فى السودان، شدد على أن بلاده تسعى إلى إيجاد حلول توافقية مُرضية، لا تضر بمصالح أى طرف.
المدى الزمنى لملء بحيرة خزان سد النهضة سيتصدر الموضوعات التى ستناقشها اللجان الفنية. وهناك رؤية تتحدث عن حل وسط لتبديد المخاوف. إذ كانت أبرز النقاط الخلافية، ولا تزال، تتعلق بعدد سنوات ملء خزان السد الذى تريده القاهرة من ٧ إلى ١٠ سنوات، لدفع الضرر عن دولتى المصب «مصر، والسودان»، بينما لا يزال الجانب الإثيوبى مُصرًا على أن يكون سنتين أو ثلاثًا فقط، فى تعنتٍ غير مقبول أو مفهوم.
منذ أيام، تحديدًا فى ١٩ ديسمبر الماضى، أشرنا إلى أن المتغيرات الإقليمية، والاتفاقات الثنائية والثلاثية، التى جرت بين بداية إنشاء السد فى أبريل ٢٠١١، وتولى أبى أحمد على رئاسة وزراء إثيوبيا، فى أبريل ٢٠١٨، جعلتنا نعتقد أن القيادة الإثيوبية، ستدرك أن الخيار الأمثل هو تطبيق معادلة «لا ضرر ولا ضرار»، تجنبًا لأى تصعيد، وحفاظًا على متانة العلاقات بين البلدين. وقلنا إننا وفق هذا التصور، تابعنا جولة المفاوضات الثلاثية، التى استضافتها القاهرة، التى اقتصرت، بسبب تعنت الجانب الإثيوبى، على الأمور الإجرائية، وبالتالى لم تحقق أى تقدم.
فى كلمته، الثلاثاء الماضى، أمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، جدّد الرئيس عبدالفتاح السيسى التأكيد أن مصر لن تقبل بتشغيل سد النهضة بفرض «الأمر الوقع»، محذرًا من أن استمرار التعثر فى المفاوضات ستكون له انعكاساته السلبية على الاستقرار، موضحًا أن مياه النيل بالنسبة لمصر مسألة حياة وقضية وجود، وهو ما يضع مسئولية كبرى على المجتمع الدولى للاضطلاع بدور بناء، فى حث جميع الأطراف على التحلى بالمرونة، سعيًا للتوصل لاتفاق مُرضٍ للجميع.
هناك، فى نيويورك، عاود الرئيس، الخميس، الحديث عن السد خلال لقائه بعدد من الشخصيات الأمريكية المؤثرة، وأشار إلى أن مصر تتبنى سياسة تتسم بالحوار دائمًا، وإلى أننا «بدأنا نصعد دبلوماسيًا لكى ننقل المشكلة من مستوى ثنائى وثلاثى حتى نصل إلى مجال طرح أكبر». وشدّد الرئيس على ضرورة التوصل إلى اتفاق، تصر عليه مصر، حتى نتحكم فى الضرر الذى يمكن أن نتحمله. وبما يشبه التحذير، أكد الرئيس أن أى دولة لا يمكن أن تتعرض لمخاطر مرتبطة بنقص المياه، إلا إذا كانت فى حالة ضعف، مستشهدًا بما حدث للعراق الذى كان يصله ١٠٠ مليار متر مكعب سنة ١٩٩٠، قلت حاليًا إلى ٣٠ مليار متر مكعب.
مشروع السد، الذى يقع على النيل الأزرق، أحد أهم منابع نهر النيل، تم إنجاز حوالى ٦٠٪ منه، كما أعلنت إثيوبيا مؤخرًا. وكان من المفترض أن يتم الانتهاء من المشروع العام الماضى. لكن ظهرت عيوب فنية، أدت إلى إزالة بعض هياكل الصلب، وأعمال تشييد دون المستوى، حسب ما نقلته وكالة «رويترز» عن بيلاشو كاسا، نائب مدير المشروع. وكنا قد توقفنا عند بعض الألغاز التى صاحبت إنشاء السد كانتحار «أو اغتيال» المدير التنفيذى للمشروع، فى يوليو ٢٠١٨، واختفاء «مليار دولار» من ميزانية المشروع. وأيضًا لغز محمد العمودى، رجل الأعمال السعودى، ذى الأصول الإثيوبية، أكبر ممولى مشروع السد، المتهم بدعم الإرهاب، والذى كان بين من احتجزتهم السلطات السعودية، فى نوفمبر ٢٠١٧، ضمن حملة مكافحة الفساد.
نوجز فنقول، ونكرر، إن تحديد فترة الملء هو مربط الفرس: كلما زادت الفترة الزمنية لملء البحيرة، التى تبلغ سعتها ٧٤ مليار متر مكعب، قل التأثير على مناسيب المياه فى البلدان المعنية، وبالتالى تقلصت المخاطر المحتملة. وإلى أن يحدث التوافق أو يتم التوصل إلى الاتفاق الذى تصر عليه مصر، ستظل ‏الأبواب والشبابيك مفتوحة، على مصراعيها، أمام كل الاحتمالات، وأمام استخدام «كروت» ضغط، لا يوجد أدنى شك فى امتلاك مصر الكثير منها، بعيدًا عن التدخل العسكرى الذى لا نتمنى «أو لا نتوقع» اللجوء إليه.