رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسلسل العبث الإيرانى الأمريكى



وسائل إعلام إيرانية رسمية أعلنت، أمس الأحد، أن القوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى احتجزت «ناقلة نفط أجنبية» فى الخليج، واعتقلت ٧ بحارة كانوا على متنها، بزعم أنها كانت تقوم بتهريب ٧٠٠ ألف لتر من الوقود إلى بعض الدول العربية!.
قد ترى هذه الخطوة واحدًا من الضغوط التى تمارسها طهران على الأوروبيين، لدفعهم نحو مزيد من التحرك، لضمان مصالحها الاقتصادية وتمكينها من الالتفاف على العقوبات الأمريكية. وقد تضيفها إلى إعلان وزير الخارجية الإيرانى، السبت، عن اعتزام طهران اتخاذ خطوة إضافية لتقليص التزامها بالاتفاق النووى الذى تم توقيعه، صيف ٢٠١٥، وانسحبت منه الولايات المتحدة فى مايو ٢٠١٨. أما ما يُربك المشهد، فهو أن مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، قال فى اليوم نفسه إنه «واثق للغاية» فى قدرة بلاده على بناء تحالف بحرى فى الخليج، على الرغم من استجابة الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الفاترة.
واضح تمامًا أن الدول الأوروبية حريصة، إلى الآن، على عدم اتخاذ أى خطوة من شأنها إغضاب طهران أو قد تتسبب فى قطيعة معها. وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من حلفائها، المشاركةَ فى تحالف لحماية الملاحة فى مضيق هرمز، بعد تدمير إيران طائرة أمريكية دون طيار، وبعد اتهامها بالاعتداء على ناقلات نفط وسفن شحن تجارية إماراتية وسعودية. وكذا قيامها، الشهر الماضى، باحتجاز ناقلة نفط ترفع العلم البريطانى، ردًا على احتجاز ناقلة إيرانية فى جبل طارق التابعة إداريًا لبريطانيا، للاشتباه فى انتهاكها عقوبات مفروضة على سوريا.
بومبيو، الذى يزور «سيدنى» مع مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى، طالب أستراليا بتقديم المساعدة فى مواجهة إيران. وما يُربك المشهد أكثر، هو أن مجلة «نيويوركر» ذكرت أن محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيرانى، تلقى الشهر الماضى دعوة للقاء الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى البيت الأبيض. وفى تقرير نشرته، الجمعة، نقلت المجلة الأمريكية عن مصادر أمريكية وإيرانية، «واسعة الاطلاع»، أن راند بول، السيناتور الأمريكى الجمهورى، لعب دور الوسيط مع ظريف، بموافقة ترامب. نعم، هو نفسه وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، الذى فرضت عليه واشنطن عقوبات، منذ أيام، شملت تجميد أى أصول له داخل الولايات المتحدة أو فى أى كيانات تخضع للسيطرة الأمريكية!.
فى كتابه «التحالف الغادر: الصفقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة»، الصادر فى ٢٠٠٨، تناول «تريتا فارسى»، العلاقات بين هذا الثلاثى. وأوضح كيف أنها تختلف كثيرًا عن الصورة الشائعة أو القائمة، وتتجاوز الحرب الكلامية، والمعادلة الثابتة للوفاق أو الصراع، لتشمل صفقات وتفاهمات غير معلنة. أما ما ذكرته الـ«نيويوركر»، فسبق أن أكدته أنباء تناقلتها وسائل إعلام أمريكية عن اختيار راند بول ليقود مفاوضات بين البلدين لا تحمل أى صفة رسمية، على ألا يتم الإعلان عنها قبل أن تسفر عن نتائج ملموسة.
أيضًا، كانت هناك تسريبات عن محادثات أمريكية مع إيران، خلف الكواليس، قام بها عضو جمهورى فى مجلس الشيوخ الأمريكى زار طهران، الأسبوع قبل الماضى، برفقة مسئول فى وزارة الخارجية وآخر فى وزارة الدفاع. وقالت تلك التسريبات إن طائرة الوفد الأمريكى حطت فى مطار «بيام» غرب طهران، التابع لـ«الحرس الثورى» الإيرانى، وطبقًا لتلك الأنباء، التى لم ينفها أو يؤكدها البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية، فقد التقى السيناتور الأمريكى مسئولين فى مكتب المرشد الأعلى، على خامنئى، ومسئولين فى «الحرس الثورى».
ما اختلف فقط هو أن راند بول، حسب الـ«نيويوركر»، التقى ظريف، منتصف يوليو الماضى، فى نيويورك على هامش زيارة الأخير للأمم المتحدة. وأن السيناتور اقترح على ظريف طرح أفكاره حول كيفية وضع حد لمأزق الملف النووى على ترامب شخصيًا. غير أن ظريف أعرب عن خشيته من أن تكون هذه المقابلة مجرد جلسة لالتقاط الصور، ولم يقبل القادة الإيرانيون هذا اللقاء. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك ما ذكرته شبكة «سى إن إن»، فى مايو الماضى، عن قيام البيت الأبيض بإجراء اتصال تليفونى مع رئاسة سويسرا، التى ترعى سفارتها فى طهران المصالح الأمريكية، لإعطائها رقم تليفون يتيح للإيرانيين التواصل مباشرة، لو أرادوا التفاوض!.
العلاقة بين «الشيطان الأكبر» و«العمائم السوداء»، كما أوضحنا فى مقال سابق، شديدة التعقيد. ولم يكن التوقيع على الاتفاق النووى بين إيران ومجموعة الدول «٥+١»، صيف ٢٠١٥، غير حلقة من مسلسل العبث الإيرانى الأمريكى الطويل، الذى بدأت أحداثه سنة ١٩٥٥، بتوقيع معاهدة صداقة- لا تزال سارية- بين البلدين، وتطورت مع سيطرة «آيات الله» على الحكم فى ١٩٧٩، وقطعًا لن تنتهى أحداث المسلسل بتلك الحلقة الجارى عرضها هذه الأيام.