رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفقة «هبْدة» فرصة القرن!


الخطة أو الرؤية الأمريكية للسلام الفلسطينى- الإسرائيلى المعروفة باسم «صفقة القرن»، صارت كما قلنا سابقًا «هبدة القرن» بفعل التناول الإعلامى القائم على تسريبات منسوبة إلى مصادر مجهولة. ومؤخرًا، زعم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى وكبير مستشاريه، أنها ستكون «فرصة القرن»، بالتزامن مع الكشف عن بعض ملامح الجانب الاقتصادى من تلك الخطة!.
بعد ساعات، بعد عامين من الهرى والهبد، تنطلق ورشة البحرين، التى اختاروا لها عنوان «الازدهار من أجل السلام»، ومن المقرر أن يشرح فيها «كوشنر» الرؤية أو الخطة الاقتصادية التى تقع فى 40 صفحة، وتشمل 179 مشروعًا، وتم تلخيصها، إعلاميًا، فى 50 مليار دولار، سيتم استثمارها خلال 10 سنوات، فى فلسطين، الأردن، لبنان، ومصر. وقبل أن تطرح السؤال المنطقى، والبديهى، عن مصدر الـ50 مليار دولار، قطع الأستاذ كوشنر عليك الطريق، وقال إنه يأمل «من الأمل» فى أن تقوم دول أخرى «أى غير بلاده» بتغطية جانب كبير منها!.
أمَل، يأمَل أمَلًا، فهو آمِل والمفعول مأمول. ورُبَّ مأمولٍ وراجٍ أمَلًا، قد ثَناهُ الدَّهرُ عن ذاكَ الأملْ. ومع ذلك، انطلقت الفئران، تلهو وتلعب، فى صدور فلسطينيين، أردنيين، ولبنانيين، وكان نصيب المصريين من هذا اللعب، يخص تسعة مليارات، فى علم الغيب، قيل إنه سيتم استثمارها فى سيناء، لإقامة مشروعات «من الممكن» أن تفيد «الفلسطينيين الذين يعيشون فى قطاع غزة». وعليه، لعبت الغربان مع الفئران والخرفان، وأعيد تدوير شائعة «الوطن البديل»، التى تم نفيها والإعلان عن رفضها، مصريًا، فلسطينيًا، أردنيًا، لبنانيًا، وأمريكيًا. وأضف إلى ذلك أنك تسىء إلى الفلسطينيين، قبل غيرهم، لو ظننت أنهم قد يقبلون توطينهم فى غير أرضهم.
الكلام عن الأمل أو الأمنيات يعيدنا إلى عشرات الصفقات أو المبادرات الأمريكية التى بدأت منذ سنة ١٩٨١، وكلها كان مصيرها الفشل. ومع ذلك، زعم «كوشنر»، خلال مقابلتين مع وكالة «رويترز»، أن «خطته» ستغيّر قواعد اللعبة. فى حين أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس جدد، يوم السبت، رفضه الخطة الأمريكية، إجمالًا، وقال إنها «لا يمكن أن تمر». كما جدد تأكيده عدم حضوره ورشة البحرين، لأن «بحث الوضع الاقتصادى لا يجوز قبل أن يكون هناك وضع سياسى». والإشارة هنا مهمة إلى أن علاقة السلطة الوطنية الفلسطينية بالإدارة الأمريكية، مقطوعة أساسًا، منذ أن قرر الرئيس ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس.
تأسيسًا على ذلك، وبزعم أنها ليست منحازة لطرف على حساب آخر، قررت الإدارة الأمريكية عدم دعوة الحكومة الإسرائيلية، والاكتفاء بمشاركة وفد صغير من قطاع الأعمال الإسرائيلى. وبينما أكد «كوشنر» مشاركة بعض المسئولين من قطاع الأعمال الفلسطينى، لم نجد فى برنامج الورشة، غير اسم رجل الأعمال الفلسطينى أشرف الجعبرى. كما وجدنا أسماء تونى بلير، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، وستيفن منوتشين، وزير الخزانة الأمريكى، وكريستين لاجارد، مديرة صندوق النقد الدولى، و... و... وجيانى إنفانتينو، رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا». نعم، رئيس «فيفا» الذى عرفنا من برنامج الورشة أنه سيشارك فى جلسة تتناول «دعم النظام الإيكولوجى لريادة الأعمال والتجارة الإقليمية». وقبل أن تسأل عن علاقة رئيس الـ«فيفا» بالموضوع، سأرد بأن النظام الإيكولوجى هو تفاعل العناصر الحية مع بعضها البعض ومع البيئات غير الحية المحيطة بها، لتوفير المنافع أو الخدمات. وبالتالى ربما يكون المذكور صديقًا للأستاذ كوشنر، أو للأستاذ ترامب، أو للأستاذة إيفانكا، زوجة الأول وابنة الثانى!.
نأتى إلى ما يخصنا فى الموضوع، أو إلى موقف مصر من تلك الورشة، الذى يمكنك استنتاجه من مستوى تمثيلها فى المؤتمر. وقطعًا للشك باليقين، أعلنت الخارجية المصرية، بكل وضوح، أن مشاركتنا بوفد، يرأسه نائب وزير المالية، تهدف إلى متابعة الأفكار التى سيتم عرضها، وتقييم مدى توافقها مع «رؤية السلطة الوطنية الفلسطينية لسبل نيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى من خلال إطار سياسى، ووفقًا للمحددات والثوابت الفلسطينية والعربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة». ما يعنى أن موقف مصر هو نفسه موقف السلطة الوطنية الفلسطينية. وما يؤكد مجددًا أننا لن نقبل بأى شىء لا يرضى عنه الفلسطينيون، كما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أكثر من مرة، آخرها خلال حفل «إفطار الأسرة المصرية» فى 3 يونيو الجارى.
الخلاصة، هى أن الأستاذ ديفيد فريدمان، المستوطن الإسرائيلى، السفير الأمريكى فى تل أبيب، ومهندس الخطة الأمريكية الفعلى، والأستاذ جاريد كوشنر، زوج الأستاذة إيفانكا، والأستاذ ترامب أبوالأستاذة إيفانكا، والأستاذة إيفانكا نفسها بكل جبروتها، و... و... وكل أصدقائهم وشركائهم، لن يتمكنوا من تمرير أى شىء لا يوافق عليه الفلسطينيون، ولا يضمن تحقيق كل حقوقهم المشروعة. وتلك هى الجزرة التى قضمها الجحش.