رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأنه ليس إرهابيًا!


لم تتحدث كارول نحّاس إلى زوجها كارلوس غصن، رئيس تحالف «رينو، نيسان، ميتسوبيشى» السابق، منذ أن قامت السلطات اليابانية بإعادة إلقاء القبض عليه فى 4 أبريل الماضى. وكان أحد شروط الإفراج عنه بكفالة، بعد هذا اليوم بثلاثة أسابيع، هو ألا يتحدث إليها، الأمر الذى ما تراه، ونراه نحن أيضًا، غير إنسانى. ومع أن الرجل إنسان، إلا أن المنظمات التى تزعم اهتمامها بحقوق الإنسان، لم تلتفت إلى قضيته. كما لم نسمع صوتًا للرئيس التركي، ولم يقم مجلس العموم البريطانى بتشكل لجنة لزيارته، وبحث ظروف سجنه الصعبة، وحالته الصحية المتدهورة!.
غصن، الذى يحمل الجنسيات الفرنسية، اللبنانية، البرازيلية، ليس عضوا فى تنظيم إرهابي، وليس متهمًا بالتخابر، كما لم تتلوث أيديه بدماء أبرياء أو أشقياء. بل كان السبب المعلن لإلقاء القبض عليه فى 19 نوفمبر الماضى هو الاشتباه فى عدم إعلانه عن جزء من دخله، بين عامى 2010 و2015، ولاحقًا، تم اتهامه بالاحتيال، وخيانة الثقة، واستغلال أموال شركة «نيسان» لمصالحه الشخصية. لكن هناك شواهد كثيرة، ترجح أن يكون ضحية مؤامرة هدفها عرقلة اندماج الشركة اليابانية مع شريكتها الفرنسية، رينو، تحت مظلة شركة قابضة.
لعب غضن دورًا أساسيًا فى إقامة التحالف بين رينو ونيسان، سنة 1999. فمع النجاح الكبير الذى حققته الأولى تحت قيادته، قامت بشراء حوالى 45% من أسهم الثانية التى كانت تواجه وقتها مشاكل مالية معقدة، وبلغت ديونها 20 مليار دولار، كما كانت تعانى من خسائر مستمرة خلال السنوات السبع السابقة. غير أن غصن الذى كان أول أجنبى يتولى إدارة شركة سيارات يابانية، نجح فى إنقاذ نيسان. وبانضمام ميتسوبيشي، سنة 2016 أصبح ذلك التحالف، منافسًا قويًا لتحالف فولكس فاجن- تويوتا.
غير سيناريو عرقلة الاندماج، الذى كان سيعطى تمثيلًا أضعف لنيسان فى مجلس الإدارة، ظهرت سيناريوهات عديدة حول الأبعاد الحقيقة لإلقاء القبض على الرجل، كان أبرزها رغبة نيسان فى إعادة التوازن لصالحها فى تحالفها مع رينو، وهو ما لم يكن ممكنا مع تركز السلطة فى يد غصن، وبالتالى كانت إزاحته ضرورية للتفاوض بشأن إعادة هيكلة التحالف. وهناك من استدعوا تصريحات لغصن فى يونيو العام الماضى الماضي، أكد فيها أن رينو ستحافظ على وجودها فى إيران، بغض النظر عن العقوبات الأمريكية. مع أن هذا التصريح لم يكن غير ترجمة لقرار أوروبى وفرنسى بإنشاء آلية تجارية لمتابعة العمل فى إيران.
تدريجيًا بدأت هذه السيناريوهات تختفى، مع لقاء وزير المالية والاقتصاد الفرنسى بوزير الصناعة الياباني، فى 22 نوفمبر الماضى، وتأكيدهما على الأهمية الكبرى التى توليها الدولتان للشراكة بين تحالف «نيسان – رينو»، وعلى حرصهما على أهمية العلاقات الثنائية. وصولًا إلى تصريحات الوزير الفرنسى، فى فبراير الماضى بأن حكومته قامت بتغيير مجلس إدارة رينو وتعيين جان دومينيك سينارد رئيسًا لها. ثم تأكيده فى 4 يونيو الجاري، بأن بلاده ستساعد بكل إمكانياتها مجموعة «رينو» لإقامة دعوى قضائية ضد «غصن» تتعلق بنفقات مشبوهة بقيمة 11 مليون يورو. وبالنص قال الوزير الفرنسي: «عندما تكون الدولة صاحبة أسهم فى شركة مثل رينو، التى نملك فيها 15%، يكون دورها ضمان أن تعمل إدارة هذه الشركة بشكل جيد».
وسط هذا التتابع، ظهر غصن فى مقطع فيديو عرضه محاموه، فى أبريل الماضى، ليطالب فرنسا بالدفاع عنه، لكونه مواطنًا فرنسيًا. وأشار إلى أن لديه «شكوك حول آلية الحكم وكيفية المحاكمة»، واتهم رجالًا داخل نيسان بـ«محاولة التأثير على مجريات المحاكمة فى اليابان كما فى فرنسا». ووقتها، ناشدت زوجته، أيضًا، الحكومة الفرنسية بالتدخل. لكن يبدو أن الأسابيع الماضية حملت ما جعل الزوجة المولودة فى بيروت، وتحمل الجنسية الأمريكية، تناشد الرئيس الأمريكى دونالد ترمب، الإثنين الماضي، بأن يثير قضية زوجها مع رئيس وزراء اليابان شينزو آبى (أو آبى شينزو) خلال قمة قادة مجموعة الدول العشرين التى تستضيفها مدينة أوساكا اليابانية أواخر يونيو الجاري. ولا تريد كارول نحاس، من الرئيس ترامب غير أن يتحدث إلى رئيس الوزراء اليابانى ليسمح لها بالحديث إلى زوجها، واحترام مبدأ المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.
الرجل الذى أنقد رينو ثم نيسان ثم ميتسوبيشى من حافة الإفلاس، كان من المفترض أن تبدأ محاكمته فى سبتمبر القادم، لكن وسائل إعلام يابانية قالت إنها قد لا تبدأ قبل سنة 2020. ومن غير المتوقع أن يلتفت الرئيس الأمريكى إلى مناشدة زوجته، كما لم تلتفت فرنسا أو البرازيل أو لبنان. ولأن كارلوس غضن ليس إرهابيا أو خائنًا لبلاده، لن يطلق الرئيس التركى العنان لهلاوسه، ولن يقدم البرلمان البريطانى أى استعراضات!.