رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غسان سلامة.. مع السلامة!


المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطنى الليبى، لم يأت بجديد وهو يلخّص مشكلة طرابلس فى غياب الأمن، ولم يخترع نظرية جديدة، حين قال إن الوصول إلى حل سياسى يستوجب القضاء على الميليشيات الإرهابية أولًا، وفى الحوار الذى نشرته جريدة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، لم يفاجئنا هجومه على غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، وتأكيده على أنه تغيّر.. وتحوَّل من وسيط نزيه، إلى وسيط منحاز.
يريد غسان سلامة، أن تتوقف المعارك «فورًا» فى طرابلس بين قوات الجيش الوطنى الليبى، التى يصفها بـ«قوات الجنرال حفتر»، وبين الميليشيات الإرهابية المسلحة أو «قوات حكومة الوفاق»، حسب وصفه، ويزعم أن الاستقرار فى ليبيا لن يتحقق إلا عبر حل سياسى، لكنه لم يجب على سؤال بديهى، يتعمد أمثاله دائمًا تركه دون إجابة: كيف كان يمكن الوصول إلى أى حل سياسى فى وجود ميليشيات إرهابية وعصابات مسلحة، يدعمها عدد من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، اثنتان منها، على الأقل، من الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن.
باعتراض الولايات المتحدة على سلام فياض، رئيس الوزراء الفلسطينى الأسبق، وبعد عملية بحث استغرقت أربعة أشهر، وقع الاختيار على «سلامة» أستاذ العلوم السياسية بجامعة السوربون الفرنسية، الذى كان وزيرًا للثقافة فى لبنان، بين عامى ٢٠٠٠ و٢٠٠٣، قبل اختياره مستشارًا سياسيًا لبعثة الأمم المتحدة فى العراق عام ٢٠٠٣ بعد الاحتلال الأمريكى، و.... و.... وكان أحد أربعة متنافسين عرب لشغل منصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، قبل أن ينسحب، بعد عدم تبنى «لبنان» ترشحه.
«سلامة» هو سادس مبعوث توفده الأمم المتحدة. وطبعًا، لسنا فى حاجة إلى لفت نظرك إلى أن الخمسة السابقين فشلوا فى إنهاء الأزمة، أو حتى فى الوصول إلى بداية طريق حلها، ومع أنهم ككل بعثات الأمم المتحدة بشكل عام، عملوا وفق أجندات وتوازنات، لكن الواجب يقتضى عدم تحميلهم مسئولية كل هذا الفشل، أو جانب كبير منه، الذى يعود أيضًا إلى ما يوصف بـ«المجتمع الدولى»، وإلى «مجلس الأمن» الذى قام لأسباب لا نفهمها بحظر تسليح الجيش الليبى منذ ٢٠١١، ما صب فى صالح التنظيمات الإرهابية، وجعل الأوضاع المشتعلة تزداد اشتعالًا.
فى كلمته أمام مجلس الأمن، الثلاثاء الماضى، بدا واضحًا انحياز غسان سلامة لجماعة الإخوان وغيرها من الميليشيات الإرهابية الموالية لفايز السراج، و«بدلًا من أن يقوم بدور حقيقى لحل مشاكل الليبيين، فوجئنا به يسعى لحل مشكلة الإخوان.. وبدلًا من أن يكون منصفًا للقيادة العسكرية التى كلفها البرلمان الشرعى، وجدناه يسمى القوات المسلحة، قوات الجيش الوطنى الليبى، بـ«قوات الجنرال حفتر». وما بين التنصيص ننقله عن العميد خالد المحجوب، رئيس المركز الإعلامى لغرفة عمليات الكرامة.
الدور المشبوه والتخريبى لأنقرة وطهران والدوحة فى ليبيا، ثابت ومؤكد، كما أن تمويلها ودعمها للجماعات والتنظيمات الإرهابية هناك، لم يعد محل شك، وغير الوثائق التى سبق أن كشفها أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، فقد ثبت أيضًا أن الدعم التركى الإيرانى والقطرى لا يتوقف على المال والأسلحة العتاد فقط، بل يشمل أيضًا إرسال إرهابيين مرتزقة.
وعليه، كان غريبًا ومريبًا أن يتعامى المبعوث الأممى عن الدعم التركى والإيرانى والقطرى للميليشيات الإرهابية الذى تزايد بشكل فج منذ بدأت عملية طرابلس.
الجيش الوطنى الليبى بدأ، منذ ٤ أبريل الماضى تطهير العاصمة طرابلس من الميليشيات والجماعات الإرهابية، وفى ٦ مايو الجارى أطلق المرحلة الثانية من عملية التطهير أو طوفان الكرامة، وقبل هجوم «حفتر» و«المحجوب» على المبعوث الأممى، اتهمته أيضًا لجنة الدفاع والأمن القومى فى مجلس النواب الليبى بعدم الحيادية فى التعامل مع الأحداث الجارية فى العاصمة طرابلس. وقالت، فى بيان إنها تستهجن التحركات غير الحيادية التى يقوم بها «لغض الطرف عن ميليشيات الإرهاب ونهب المال العام فى طرابلس، ومحاولة إهمال دور القوات المسلحة فى حربها على الإرهاب». وطالبت اللجنة رئاسة المجلس بمخاطبة الأمين العام للأمم المتحدة وإعلامه بأن المبعوث الخاص غسان سلامة غير مرغوب فيه لهذه الأسباب.
أخيرًا، وبعد أن نقول «مع السلامة» أو «صحبتك السلامة»، للأستاذ «سلامة»، لا يبقى غير أن نكرر ما طرحناه، مرارًا، بكسر الميم وفتحها، بأن كل الجهود ستظل بلا جدوى، وأى كلام سيكون فارغًا، ما لم يتم وضع آليات لردع ومعاقبة الدول الراعية للإرهاب، والتى صار دورها مكشوفًا، بل إنها لم تعد تلعب إلا على المكشوف.