رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

برلمان الاتحاد.. ضد الاتحاد!


غريب طبعًا، أن تشير غالبية استطلاعات الرأى إلى أن انتخابات البرلمان الأوروبى تكاد تكون محسومة لصالح الأحزاب والحركات، التى تؤيد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعارض فكرة التكامل، وتشكك فى جدوى الوحدة. والأغرب هو أن يتصدر «حزب بريكست» البريطاني، الذى تأسس فى فبراير الماضي، نتائج تلك الاستطلاعات!.
حزب «بريكست»، أسّسه نايجل فاراج، المطالب بانسحاب فورى وبلا اتفاق من التكتل. وكان حزبه السابق، «حزب استقلال المملكة المتحدة» المعروف باسم «يوكيب»، قد حقق نتائج مذهلة فى الانتخابات الأوروبية الماضية، بحصوله على ٢٤ مقعدًا من مقاعد بريطانيا الـ٧٣، المخصصة للمملكة المتحدة. وطبقًا لاستطلاع رأي، نشره معهد «يوجوف»، فمن المتوقع أن يحصد «حزب بريكست» العدد الأكبر من المقاعد، بفارق كبير عن الأحزاب البريطانية الأخرى، يليه قى الترتيب «الليبراليون الديمقراطيون». وبينما جاء «حزب العمال» فى المركز الثالث، كان المركز الخامس من نصيب «حزب المحافظين»، بعد «حزب الخضر»!.
لا وجود، إذن، للتكتل الجديد الذى يحمل اسم «لنغير المملكة المتحدة»، Change UK، المؤيد للاتحاد الأوروبي، والذى حاول اختبار فرصه فى انتخابات البرلمان الأوروبي، جنبًا إلى جنب مع الليبراليين الديمقراطيين، وحزب الخضر وكل دعاة حماية البيئة، والحزبين القوميين فى ويلز واسكوتلندا، وكل هؤلاء يطالبون باستفتاء ثان حول بريكست على أمل أن تأتى نتائجه مخالفة لاستفتاء ٢٠١٦. وكان دونالد توسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، سبق أن دعا السياسيين البريطانيين، ضمنيًا، إلى ضرورة إجراء استفتاء جديد. وبالنص كتب فى حسابه على تويتر: «إذا كان الاتفاق مستحيلًا، والكل يريد اتفاقًا، عندها من ستكون لديه الشجاعة لقول الحل الإيجابى الوحيد؟». والحل الإيجابى الوحيد، كما فهمنا، أو استنتجنا، هو إجراء استفتاء جديد.
معهد «يوجوف»، كان قد أجرى استطلاعًا، منتصف الشهر الجاري، بتكليف من مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ورأى أغلبية المشاركين فيه أن تفكيك الاتحاد الأوروبى «احتمال واقعي»، وتوقعوا حدوث ذلك خلال ١٠ أو ٢٠ سنة. والأكثر من ذلك، هو أن ثلث المشاركين فى الاستطلاع لم يستبعدوا قيام حرب بين الدول الأعضاء فى الاتحاد. وفى تفسير ذلك، يمكننا أن نطرح عشرات الأسباب أبسطها أن الاتحاد الأوروبى لم يقم بأى إصلاحات جوهرية طوال السنوات العشر الماضية.
طبعًا، لا يمكن استبعاد وجود تدخلات خارجية، كما يمكن إنكار تأثير تلك التدخلات على اتجاهات التصويت، أو قدرتها على التلاعب بعقول الناخبين، عبر نشر أخبار كاذبة أو معلومات مضللة على شبكات التواصل الاجتماعى. فقط، نتحفظ، كما تحفظنا فى مقال أمس، على تحميل مسئولية هذه التدخلات لروسيا والصين فقط، واستبعاد دول أخرى، ثبت بشكل قاطع أنها استخدمت كل الطرق المشروعة، وغير المشروعة، للتأثير فى سياسات وانتخابات دول عديدة، دون تفرقة بين عدوّ وحليف، أو بين ظريف وسخيف. ولو ظننت أننا نقصد الولايات المتحدة، فإن ظنك فى محله، ولا يمكن أن يكون إثمًا.
كل رؤساء الولايات المتحدة، كانوا يدعمون الاتحاد الأوروبي، ويرون أن لهم مصلحة مباشرة فى «أوروبا قوية وموحدة»، لأنها على الأقل تمثل سدًا فى وجه القوة الروسية. ووحده الرئيس الأمريكى الحالي، دونالد ترامب، هو الذى زعم أن الاتحاد الأوروبى تم إنشاؤه «من أجل استغلال الولايات المتحدة». وعليه، أيد ترامب انسحاب بريطانيا من الاتحاد، وأعلن اعتزامه عقد اتفاق شامل للتجارة مع بريطانيا بعد انسحابها، وهو ما اعتبره أنصار الانسحاب واحدًا من أهم المكاسب. ويمكنك أن تستنتج وجود اتفاق أمريكى بريطاني، لو عدت إلى البيان الذى استبقت به «ماي» زيارة الرئيس الأمريكي، السابقة إلى بريطانيا، فى يوليو الماضى. وربما ظهر جديد فى الزيارة المقبلة، التى ستتم قبل أيام من مغادرة «ماي» لموقعها.
مع كل الاحتمالات والارتباكات، تظل الحقيقة شبه المؤكدة هى أن بريطانيا، تعيش حالة فوضى طوال ثلاث سنوات وما زالت عاجزة عن تنفيذ نتيجة الاستفتاء التى صوّت فيها ٥٢٪ لصالح مغادرة الاتحاد. ولن يحل المشكلة، إعلان تيريزا ماى تخليها عن زعامة حزب المحافظين، واستقالتها من رئاسة الوزراء،. ولا نعتقد أن هناك جدوى من المحاولة الرابعة لتمرير الاتفاق الذى أبرمته مع بروكسيل فى مجلس العموم (البرلمان)، فى ظل تمسك الاتحاد الأوروبى بنقاط أساسية، انتهى التفاوض بشأنها.
.. ويبقى السؤال: لماذا يخوض الانتخابات معارضون للاتحاد الأوروبى ومشككون فى جدوى الوحدة؟ لو افترضنا أن فيهم من يريدون المعارضة من الداخل، فإننا لن تجد افتراضًا أو تفسيرًا ينسحب على البريطانيين منهم، الذين يستميتون لكى تخرج بريطانيا من الاتحاد، سواء باتفاق أو بدون اتفاق، ما يعنى بالضرورة والتبعية طردهم من البرلمان، الذى يستميتون، الآن، للفوز بمقعد فيه!.