رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تكون صاحب عقلية فارقة؟ «2-2»


عن طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أهل نجدٍ، ثائرُ الرأس، نسمع دوىّ صوته ولا نفقه ما يقول، (كان لديه عقلية فارقة) حتى دنا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات فى اليوم والليلة، فقال: هل علىّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل علىّ غيرُه؟ فقال: لا، إلا أن تطوَّع، وذكر له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الزكاة، فقال: هل علىّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق. وفى رواية أخرى: «أفلح، وأبيه، إن صدق. أو: دخل الجنة وأبيه إن صدق».
النبى رتب الإسلام إلى فرائض، نوافل، سنن، ترتيب أولويات، فالفرائض فى المقدمة، ولا يجوز تركها، بخلاف السنن والنوافل، التى يثاب عليها المسلم، لكن لا يعاقب إن لم يؤدها.
جاء رجل للنبى يقول له: حدثنى يا رسول الله عن غريب العلم، فقال له آتيك يا رسول الله لتعلمنى من غرائب العلم، فقال له الرسول: ما صنعت فى رأس العلم، قال وما رأس العلم؟ قال هل عرفت الرب، قال: نعم، قال فما صنعت فى حقه؟، قال ما شاء الله، قال هل عرفت الموت، قال: نعم، قال فما أعددت له؟، قال ما شاء الله قال: اذهب فاحكم ما هنالك، قال ثم تعال نعلمك من غرائب العلم.
حتى الناس يتفاوتون فى الدرجات «هم درجات عند الله»، والاستغفار درجات، هناك استغفار وهناك سيد الاستغفار.
وهذا دور العلماء فى توجيه تركيز الناس على القضايا، لا تأتى بموضوع لم يذكره القرآن ولم يرد فى السنة، وتحوله إلى قضية ينشغل بها المسلمون، فنحن بحاجة إلى العقلية الفارقة إذا أردنا التجديد، وهذا دور علماء الدين ودور الإعلام، والوعى المجتمعى.
٣- عصر النبى وحياة النبى
يجب التفرقة بين زمن «عصر» النبى وبين حياته، زمنه، أى العصر الذى عاش فيه، سواء ما يتعلق بطريقة الأكل والشرب والسكن والملابس والنقود والمعمار والبناء وغيرها.
كانت وقتها العملة المتداولة بين الناس عبارة عن دنانير مضروبة فى روما، ودراهم مضروبة فى فارس، ثم تطورت الحياة، فاستبدل الدينار والدرهم بورق «بنكنوت» ثم شيكات، ثم «كريدت كارد».
كانوا فى عصر النبى يدخلون المسجد، يجدون حصى، فيصلون بالنعال، أما الآن ندخل المسجد، فنجده مفروشًا بالسجاجيد، فنخلع النعال. كان المحراب فى زمن النبى علامة جهة القبلة، فلما زاد عدد الناس، جعلنا المحراب مجوفًا لكى يوزع الصوت حتى يصل لآخر المسجد بسبب التجويف.
ومن يريد أن يعيش عصره الآن، يوقف إرادة الله فى التغيير «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ»، يوقف التطور «يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»، وإذا كنت تريد تعيش عصر النبى، كأنك تقول إن الإسلام لا يصلح لكل زمان ومكان، لأنك تريد إيقاف الإسلام على عصر النبى.
أما حياة النبى، فهى أخلاقه، أفعاله، رحمته، عفوه، خير، إصلاح، بناء، سلام، محبة، وهى التى يجب أن نعيش بها، لأنها المنهج لجميع الناس، يقول: «خيركم خيركم لأهله»، «أفضل الناس إيمانًا أحسنهم أخلاقًا»،» إن الله جميل يحب الجمال»، حين قيل له أفلا تدعو على من أذوك يا رسول الله فقال: «إنى لم أبعث لعانًا وإنما بعثت رحمة للعالمين.. إنما أنا رحمة مهداة».
حياة النبى كلها تطور، وبالتالى فإن المقصود بالبدعة فى الحديث «كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار»، هو كل ما خالَف أُصول الشريعة، أو أمرًا قطعيًا فى الدين، مثل أن تصلى الظهر خمسًا من باب الزيادة للثواب مثلًا، فهذا مخالف لأصول الشريعة أو أن تصلى صلاة الجمعة يوم الثلاثاء فهذا مخالف لأمر قطعى فى الدين، وهكذا يصغر مفهوم البدعة جدًا فلا تُصادم الحياة.