رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار وزير «الفن الثامن»



لا شك أن الفنون تُعد أروع وسيلة فى الوجود يمكن النفاذ بها إلى وجدان وعقول الناس، وبشكل خاص ونحن نعيش تلك الحالة المجنونة التى خلفتها الصراعات اليومية على أسباب الحياة والوجود على الأرض بحلم أن نعيش فى سلام وكرامة وعدل وسعادة.
لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن يكون للفنون ذلك الوجود المأمول لو لم يرغب المتلقى ذاته فى الحياة مرتين؟.. فمع الفنون يعيش المرء حياة ثانية.. ومع تطور سبل الحياة ومعطياتها ترقى الفنون، وتتنوع وسائطها ومدارس إبداعها لتقديم فنون جديدة ومدارس ممارسات إبداعية تتماهى مع مستجدات العصر، وهو ما كان يشير إليه «والتر بنيامين» عندما وصف عصرنا بأنه عصر توالد الأعمال الفنية بتقنيات جديدة، فالفنون تتطور بتطور الفكر الإنسانى، حيث الفنون الإبداعية بحق التى تُحدث من أدواتها المادية والمعنوية، فهى انعكاس لمدى حالة الإدراك العقلى وتطور نظم الإنتاج الجماعى فى مجتمعاتنا.
وأرى أن فنون الدراما التليفزيونية، والتى تولدت بعد السينما «الفن السابع»، وتابعناها منذ أكثر من نصف قرن وتحديدًا مع مطلع الستينيات لدينا من القرن الماضى، والتى لفرط خصوصية أهدافها وطبيعة متلقيها، يمكن أن نتفق على أنها «الفن الثامن» المطور والوليد الجديد فى دنيا الإبداع، ولكنها، للأسف، تمر بمحنة صعبة وتحتاج إلى من يعيدها لزمنها الأول وإعادة النظر لدفعها من جديد لتعود لأصحابها المخلصين.
واقع حالة مجتمع الإبداع الدرامى فى توصيفها العام الآن.. شيوخ وجيل وسط من مبدعى «الفن الثامن» أحيلوا قهرًا وجبرًا إلى التقاعد.. لم يعد المجد للكاتب صاحب سر وجود المنتج الإبداعى وكاتب حروف النشأة والخلق، فمُنتَجه بات مجرد شوية ورق، ويمكن أن يأتى دوره فيما بعد، فالفكرة الأساسية لدراما العمل قد تأتى بها افتكاسة للنجم الوسيم، أو النجم أبومطوة قرن غزال، أو النجمة الفاتنة، أو الراقصة الحريفة،.. وإن لم يكن الأمر متيسرًا، فالعودة لأزمنة التعريب والتمصير واجبة وسلم لى على حقوق الملكية الفكرية لأهل الفرنجة من أى لون.. وأخيرًا كانت افتكاسة إنتاج سيناريوهات الورش الشبابية، وسلم لى على عناصر جودة العمل من مشروطية وحدة النص وانسجام الأهداف الدرامية مع التقاطعات المأساوية والتصاعدات الساخنة والسكتات الباردة.
أما عن عناصر فريق عمل الإنتاج الدرامى.. نتابع، منتج ومهنى جيد توقف عن الإنتاج لإدراكه صعوبة المنافسة فى سوق الهزل، ومنتج مغامر مرة يخسر ومرة يكسب ومستمر لأن التوقف موت.. ومنتج يعلم من أين تؤكل الكتف ومن أين يُغتال حلم المتلقى المسكين على كنبته وسط عياله!.
والآن صُناع وأهل إبداع «الفن الثامن» يصرخون «أغيثونا من حالة الركود والانزواء والإنتاج المتراجع من حيث الكم والكيف بشكل نسبى عنه فى زمن وزير فنون الريادة» ويتنادون «لا بد من تعيين وزير للإعلام».
القياس مع الفارق يا سادة، فوزير «فنون الريادة» كان له فى معرفة الصنعة، مهما اختلف على شخصه أهل زمن الربيع المصرى.. فبعد اختياره العبقرى لممدوح الليثى لإدارة الإنتاج الدرامى، أدخلنا نادى الفضاء والفضائيات، وقام بإعداد بنية أساسية لمدينة إعلامية يقتات على عائدها الآن بعض قنوات الرزق السريع، ويجلس على كرسى رئاستها من تم فى عهده الإغلاق بالضبة والمفتاح لحدوتة الإنتاج الدرامى.
أخشى أن يأتى وزير للإعلام لا يستطيع عمل تركيبة معقولة للجمع بين الخاص والحكومى، فيمنع الخاص ويكتفى بالحكومى عبر حركة تأميم للعقول ولحركة الإبداع، وأخشى أن يكون الحكومى والبديل لممدوح الليثى، ليس بتلك الجدارة والفهم العميق لكار الإنتاج.
وعليه، أتمنى أن تتقدم نقابات المهن الفنية أولًا بمشروع ولائحة يتفق عليها أهل كل تلك المهن الإبداعية، تتضمن تصورًا كاملًا ينظم أداء أهل الفن الثامن «الدراما التليفزيونية» لمعالجة قضايا أجور النجوم ومغالاتهم، وضمان اختيار النصوص والكتاب من أهل الكفاءة، ولا أقصد هنا فقط شيوخ الإبداع، فهناك كُتاب شباب على قدر هائل من الموهبة والكفاءة، ومعالجة أمر خطوات الإنتاج «من أين البداية؟.. منْ يرشح منْ؟ وهكذا دواليك» وبشكل لا يتجاهل الربح ويراعى القيمة.. أيضًا ضمان تنوع المواد الدرامية فى الأهداف والتقنية وجماعات وأطقم الإبداع، ألا يكون التركيز لإنتاج شهر واحد فى العام.
وبالطبع لا تكفى مساحة مقال لمناقشة تلك القضية المتعلقة بأمر مؤثر على الأمن القومى وعلى تنشيط السياحة، وفتح بيوت كثيرة كادت تغلق من توقف تلك الصناعة الرائعة.. التأثير التربوى والتعليمى والصحى وجودة الحياة لو تعلمون كبير.
لقد قدم برنامج «٩٠ دقيقة» على قناة «المحور» عدة حلقات رائعة حاور فيها مقدمه د. محمد الباز مجموعة رائعة من الكُتّاب والمخرجين الكبار من أصحاب أهم الإسهامات فى تاريخ الدراما المصرية «إنعام محمد على، يسرى الجندى، جمال عبدالحميد، محمد جلال عبدالقوى، وغيرهم فى حوارات مهمة شخّصوا فيها الداء والدواء».. حوارات تم إعدادها بخبرة ومذاكرة جيدة، فهل من مستفيد؟!