رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثلاثون عامًا من الاحتلال الرقمى


بتعديل شعاره إلى شاشة كمبيوتر تدور الكرة الأرضية بداخلها، احتفل محرك البحث «جوجل»، بمرور ٣٠ عامًا على تأسيس شبكة الإنترنت، أو الشبكة العنكبوتية العالمية، التى تأسست فى مثل هذا الشهر، سنة ١٩٨٩، على يد الإنجليزى «تيم بيرنرزـ لى»، بهدف تيسير الاتصال بين المنظمات الأوروبية المجتمعة فى سويسرا.
الشبكة العنكبوتية العالمية، The World Wide Web، كما ذكر تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، تضم اليوم، نحو مليارى موقع إلكترونى، يستخدمها نصف سكان العالم تقريبًا.
وقال «بيرنرزـ لى»، Tim Berners-Lee، فى كلمة مصورة، إنهم أصيبوا بالرعب، فجأة، بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية الماضية وبعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، لأنهم أدركوا أن هذا الشىء، الذى اعتقدوا أنه رائع، لم يخدم الإنسانية بشكل جيد. وعليه، طالب الحكومات والشركات والمواطنون أيضًا، بالقيام بدور أكبر فى تطويع شبكة الإنترنت من أجل «الخير»، وتطوير التكنولوجيا من أجل «الصالح العام».
مخترع «الإنترنت»، أوضح أن الشبكة «مرآة للإنسانية»، ينعكس فيها «الخير والشر»: الخير، لأنها جعلت الحياة أكثر سهولة وأعطت صوتًا للمهمشين، والشر، لأنها خلقت فرصًا للمحتالين، وأعطت صوتًا لمن نشروا الكراهية، وقامت بتسهيل ارتكاب كل أنواع الجرائم، كالقرصنة، الكراهية، التضليل، وغيرها مما وصفها بأمراض «المراهقة الرقمية». وأكد أن الانتقال من هذا «المراهقة الرقمية» إلى مستقبل أكثر نضجًا ومسئولية، لن يتحقق، بإصلاحات سريعة، بل بوضع ضوابط لتغيير علاقة الناس بعالم الإنترنت، مشيرًا إلى أن تلك الضوابط قد تكون صارمة فى بعض الأماكن، لكنها قد لا تكون كذلك فى أماكن أخرى.
بغض النظر عن المكيالين، أو اختلاف درجة صرامة الضوابط، بين مكان وآخر. فالثابت هو أن مستخدمى الشبكة، لم يصبهم الرعب، فجأة، بل أصابهم بالتدريج أو على مراحل. إذ لم تمض السنة الأولى على ظهور الشبكة، إلا وظهر أول اختراق لها، ومعه بدأ «سباق تسلح رقمى»، كانت البرامج الأمنية والضوابط القانونية بين أدواته. ثم جاء انفجار وسائل الإعلام الرقمية لتأخذ تلك الحرب أشكالًا أخرى، فرضت بالضرورة والتبعية مجالات أخرى لهذا السباق، وظهر مصطلح «السيادة الرقمية» ليصف قدرة الدولة على حماية بياناتها وبيانات مواطنيها. ومع هذا المصطلح، أطلق الفرنسيون مصطلح «المستعمرات الرقمية» وهم يعلنون رفضهم لأن تكون دولتهم بين الدول الواقعة تحت السيطرة أو الاحتلال الرقمى الأمريكى، ثم الصينى.
إحدى أبرز حلقات أو فصول هذا السباق، كانت قيام البرلمان الأوروبى بإقرار قانون، يضع ضوابط تستهدف حماية البيانات الشخصية لمواطنى الاتحاد الأوروبى ويفرض عقوبات صارمة على عدم الالتزام بها. وكانت صدفة غريبة أن يتم إقرار هذا القانون قبل أسابيع من تفجير فضيحة «كامبريدج أناليتيكا». وأذكّرك، لو كنت نسيت، بأن تلك الشركة البريطانية، قامت بتطوير «تطبيق» أو برنامج معلوماتى، مكّنها من الحصول على بيانات عشرات ملايين مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى، واستطاعت بعد تحليلها أن تتعرف على توجهات وميول وآراء أصحاب تلك الحسابات، وأن تضع استراتيجية للتأثير عليهم وتوجيههم: توجيه الأمريكيين لانتخاب دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وتوجيه البريطانيين للتصويت بـ«نعم» فى استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى. وكان أهم ما أثير، وقت تلك الفضيحة، هو تأكيد المحامى النمساوى ماكس شريمس، أن «فيسبوك» كانت تعرف منذ سنة ٢٠١١ (منذ سنة ٢٠١١) بالمشكلات المتعلقة بمثل تلك التطبيقات.
التاريخ، قد يرتبط فى ذهنك بالدور الذى لعبته شبكات التواصل الاجتماعى فى الأحداث التى شهدتها المنطقة العربية، المعروفة باسم ثورات الربيع العربى. لكن ما يعنينا، هنا، هو أن «شريمس»، الذى يوصف بأنه ناشط حقوقى مدافع عن الخصوصية، أقام فى أغسطس ٢٠١٤ دعوى قضائية ضد شركة «فيسبوك» أيرلندا، المسئولة عن عمليات الشركة خارج نطاق أمريكا الشمالية، يتهمها فيها بانتهاك خصوصية المشتركين. ومع تلك الدعوى أقام أيضًا عدة دعاوى ضد كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة، مثل ميكروسوفت وجوجل، يتهمها فيها بأنها ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) فى التجسس على مواطنى الاتحاد الأوروبى. وما يفتح ألف باب للشك هو أن تلك الدعاوى نامت أو تاهت فى الدهاليز، بعد أن رفضتها محكمة العدل الأوروبية، وقالت إن بإمكان «شريمس» إقامتها أمام المحاكم النمساوية!.
لا نعرف مصير تلك الدعاوى، أو غيرها، لكن شواهد كثيرة، بينها الحرب الأمريكية الشرسة على شركات التكنولوجيا الصينية، تؤكد أن العالم يشهد الآن حربًا تكنولوجية أو إلكترونية، وأن الولايات المتحدة تصارع، للاحتفاظ بتفوقها وهيمنتها ولا تريد أن تنازعها أى دولة أخرى فى مستعمراتها الرقمية.