رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا بولندا كاختيار لمصير العقد المقبل؟



هناك عناوين سيشهدها مؤتمر وارسو مثل الأزمتين فى سوريا واليمن والانتشار الصاروخى والتهديدات الإلكترونية وحقوق الإنسان واللاجئين
انسحبت شركات الطاقة البولندية من إيران، بمجرد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن خروجه من الاتفاق النووى مع إيران، وشروعه فى فرض حزمة عقوبات متتالية على طهران. تزامن ذلك مع ترويج غير مسبوق، لمدى خطورة التهديد الإيرانى للمنطقة، عبر اصطيادها من زاوية تدخلاتها المتنامية فى العديد من دول المنطقة العربية، وباعتبار أن الاتفاق النووى لم يقلص أو يكبح جماح تلك التدخلات، كما كان متفقًا عليه مع إدارة باراك أوباما، بواسطة وزير خارجيته «جون كيرى» عراب تلك الاتفاقية وحامل أختامها وكواليسها.
الكثيرون أخذوا بمفاجأة «مايك بومبيو»، عندما أعلن فى غضون جولته بالشرق الأوسط عن المؤتمر المزمع عقده، فى وارسو عاصمة بولندا يومى ١٣ و١٤ من فبراير المقبل. المثير أن البولنديين كانوا ضمن من تفاجأوا باختيار وارسو مكانًا لعقد قمة دولية، اتسمت على لسان وزير الخارجية الأمريكى بأنها معنية بمحورين، الأول: يركز على استقرار الشرق الأوسط، وقضايا السلام والحرية والأمن. والثانى: يتناول عنصرًا مهمًا هو التأكيد أن إيران لا تشكل نفوذًا مزعزعًا للاستقرار فى المنطقة. فرغم كون بولندا حليفًا سياسيًا وعسكريًا مهمًا للولايات المتحدة، إلا أن تفسير اختيارها مكانًا لعقد قمة تتباحث فى تلك القضايا، لم يتوافر لديها بالقدر الذى يتيح لها هضم هذا الأمر.
هذا اضطر وارسو إلى خروجها بحزمة من التصريحات والإجابة عن التساؤلات، بطرق عكست عدم فهم لما يجرى فعليًا. فقد خرج عن وزارة خارجيتها بيان ذكر أنه «سوف يكون الاجتماع الوزارى منتدى للبلاد المعنية، بتحقيق الاستقرار فى المنطقة، ليتشاركوا تقييماتهم ويعرضوا الأفكار عن طرق أفضل لإحراز التقدم. وستشمل قضايا الإرهاب والتطرف، وتطوير الصواريخ، وانتشار الأسلحة النووية، والتجارة البحرية والأمن، والتهديدات التى تشكلها الجماعات الوكيلة عبر المنطقة». هذه العناوين ربما لا تزيل الغموض عن أجندة هذا المؤتمر، بقدر ما تضع عليه مزيدًا من الألغاز، ففيما أكدت بولندا رسميًا أن الاجتماع ليس مناهضًا لإيران، خرجت الصحافة البولندية لتنقل عن مصادر رسمية أن دولًا من أنحاء الكوكب دعيت للمشاركة. للحد الذى ذكر فيه أن سبعين دولة تم الاتصال بها، ليس من ضمنها إيران بالطبع، وهذا فجّر سريعًا أزمة حادة ما بين وارسو وطهران، عبرت عنها العديد من الإجراءات المتبادلة ما بين الدولتين.
«فيديريكا موجيرينى» الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية، من المرجح حتى اللحظة أنها لن تحضر هذه القمة، كما أن تمثيل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى غير مؤكد حتى الآن. وهذا يعكس الفجوة الحادة الماثلة ما بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حيث تنظر الأخيرة لبولندا باعتبارها تنفذ خطة براجماتية على مستوى عال، ففى الوقت الذى لا تشكل فيه طهران تهديدًا لوارسو من أى نوع، بل بالعكس قد تكون حليفًا اقتصاديًا هامًا لها خاصة فى مجال الطاقة. إلا أنها اليوم إرضاء للولايات المتحدة وسعيًا وراء رغبتها الملحة فى إقناع إدارة ترامب، ببناء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة على أراضيها، قبلت على عجل بعقد مثل تلك القمة التى لم تكن تعلم عنها شيئًا ولم تتشاور مسبقًا فى تفاصيل عقدها. وتمثل القاعدة العسكرية التى تلح عليها وارسو للنظام الحالى عامل ردع هامًا، تتلهف لإنجازه فى مواجهة روسيا التى تشكل التحدى الأكبر لبولندا. وفى حال نجاحها فى إنجاز ذلك مع الولايات المتحدة فضلًا عن استضافتها المؤتمر، فإن ذلك سيشكل لها نقلة نوعية إلى المستوى الأعلى فيما يخص الشئون الدولية، وهذا الأخير هو ما تتحسب منه الدول الأوروبية، ولذلك لا تنظر بارتياح للقمة برمتها.
مؤخرًا ومنذ يومين تحديدًا حاولت الولايات المتحدة أن تخفف من تحفظات أركان المجتمع الدولى من القمة، والتى تسير إجراءات انعقادها بخطوات حثيثة، رغم إعلان روسيا رسميًا مقاطعتها لها، وأن عدم حضورها يأتى رفضًا للتركيز على «بلد واحد»، وأن القمة ستغفل النزاع الفلسطينى الإسرائيلى رغم كونه فى صلب معادلة أمن المنطقة التى يتم التباحث بشأنها. لذلك سربت واشنطن على لسان مسئول رفيع فى الإدارة، أن المؤتمر الأمريكى- البولندى حول الشرق الأوسط والمعروف بـ«مؤتمر وارسو»، المزمع عقده ليس موجهًا ضد إيران. وقال المسئول، إن إيران لن تكون بندا محددا على جدول أعمال المؤتمر، وهو ليس مقدمة لبناء تحالف، إنما يتمحور حول استكشاف مجموعة من القضايا المهمة لأمن المنطقة وازدهارها، خاصة أن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو سيبحث المخاوف المرتبطة بسياسات إيران، المدمرة فى المنطقة، وبرر ذلك بأن من الصعوبة بمكان الحديث عن التحديات التى تواجه المنطقة، من دون الإشارة إلى التجاوزات الإيرانية. مؤكدًا أيضًا أن هناك عناوين أخرى سيشهدها المؤتمر مثل الأزمتين فى سوريا واليمن والانتشار الصاروخى، والتهديدات الإلكترونية وحقوق الإنسان واللاجئين، وسيتم تشكيل مجموعات عمل لذلك من الدول المشاركة وذات الارتباط للمتابعة.
صباح الأربعاء، وصل إلى العاصمة الأردنية عمّان ستة من وزراء الخارجية العرب، لدول مصر والأردن والسعودية والكويت والبحرين والإمارات، من أجل لقاء تشاورى كما أعلن عن هذا الاجتماع المفاجئ، والذى يأتى بعد أيام من زيارة الرئيس السيسى لملك الأردن.
وقد يكون هذا اللقاء تحضيرًا جيدًا من قبل الوزراء، لصياغة موقف عربى جامع لتلك الدول، وأيضًا لتناول كيفية التعامل مع هذا الغموض، وبأى تكتيك من الممكن مواجهته للخروج بأكبر قدر من تحقيق مصالح هذه المجموعة الرئيسية فى المنطقة. حيث ستعقد اليوم الخميس جلسات مكثفة فى مركز الملك حسين بن طلال للمؤتمرات بالبحر الميت، ربما من أجل صياغة الحد الممكن الوقوف عليه فى حال تفاجأوا كالآخرين، بأن أجندة العقد المقبل تم اختيار وارسو البولندية مكانًا لكتابتها أو استجلاء محدداتها الحاكمة.