رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة فى مكتبة عرب المحمدى


- إن البيئة الحاضنة للإرهاب بيئة غابت عنها أشعة شمس الفنون والإبداع فامتلأت بالأفكار الظلامية والمتطرفة والمتشددة

إن حماية وبناء الأوطان لا يمكن أن يكتملا إلا ببناء الإنسان وتنمية الموارد البشرية وتحقيق كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذا كانت مصر دولة شابة- ثلثا عدد سكانها من الشباب- فإننا نستطيع أن ننطلق للأمام وبأقصى سرعة، معتمدين على الطاقات الشبابية المستنيرة عقلًا والمدربة والمؤهلة فى كل المجالات الإنتاجية والثقافية والرياضية.
إن البيئة الحاضنة للإرهاب بيئة غابت عنها أشعة شمس الفنون والإبداع فامتلأت بالأفكار الظلامية والمتطرفة والمتشددة. إن الفنون بكل أشكالها سلاح فى مواجهة العنف والإرهاب، تلعب نفس الدور الذى يقوم به سلاح الجندى على الحدود، وسلاح الشرطة فى الداخل لتوفير الأمن والأمان.
إن تربية النشء هى الأساس، والتى تبدأ منذ ولادة الطفل، وللأسرة دورٌ أساسى فى تربيته بغرس القيم والأخلاق والسلوكيات التى تقوم على التسامح والمواطنة وعدم التمييز وقبول الآخر فى فترة ما قبل المدرسة، ويتم استكمال ذلك فى مراحل التعليم المختلفة.
إن الثقافة حق لكل مواطن، مثل حق الصحة والتعليم والسكن والعمل، ولا بد من مضاعفة الميزانية التى توفرها الدولة للصرف على الأنشطة الثقافية، وينص دستورنا فى المادة (٤٨) على «أن الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك. وتولى اهتمامًا خاصًا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجًا».
وفى المادة ٨٠: «يعد طفلًا من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، ولكل طفل الحق فى اسم وأوراق ثبوتية وتطعيم إجبارى ومجانى ورعاية صحية وأسرية أو بديلة، وتغذية أساسية ومأوى آمن وتربية دينية وتنمية وجدانية». والمادة ٨٢: «تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء وتعمل على اكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة».
إن تعاون الدولة مع منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية والروابط المهتمة بالمجالات الثقافية والإبداعية والحرف البيئية يساعد على بناء مجتمع ثقافى حضارى نطمح إليه جميعًا.
من هنا لا بد من التحية لما تقوم به الإدارة العامة لثقافة المرأة، بالهيئة العامة لقصور الثقافة، من المشاركة والتعاون مع المكتبات العامة فى المدن والأحياء والقرى لنشر التوعية الثقافية والبيئية والصحية ونشر قيم التسامح والمواطنة، مع توعية المرأة بالقضايا المجتمعية المختلفة الخاصة بالأسرة والأحوال الشخصية، ومواجهة العنف ضد المرأة.
لقد تشرفت بتلبية دعوة من إدارة المرأة بهيئة قصور الثقافة لحوار مفتوح، تناول قضايا الأسرة المصرية، مع عدد من السيدات فى أعمار مختلفة، وذلك فى مكتبة عرب المحمدى التابعة لجمعية «مصر للثقافة وتنمية المجتمع»، التى تخدم أحياء الدمرداش والعباسية والوايلى وحدائق القبة ودير الملاك. هذه المكتبة رغم مساحتها الصغيرة وإمكانياتها وأدواتها القليلة استطاعت - بفضل مديرتها السيدة الفاضلة الدكتورة حنان المنياوى، المتحمسة والمحبة لعملها والمؤمنة بأهمية نشر الفنون والإبداع واكتشاف مهارات الأطفال ومواهبهم الإبداعية والرياضية - أن تُحوِّل المكان إلى خلايا من نحل تلبى نشاطات الأطفال، وأيضًا الكبار من أولياء الأمور المصاحبين لأبنائهم وبناتهم، أنشطة تغطى الأعمار من سن ٣ سنوات حتى ١٨ سنة. ومن هذه الأنشطة رياضة الكاراتيه والفنون بجميع أنواعها من الرسم وصنع العرائس من خامات البيئة، هذا غير تشجيع القراءة فى مكتبة تضم كتبًا لجميع الأعمار من قصص مصورة لسن ثلاث سنوات، وكتبًا للمعرفة فى علم النفس والعلوم الطبيعية والتطبيقية وتاريخ وجغرافيا، هذا بجانب تقديم دورات فى اللغات والبرامج التكنولوجية.
تتعاون أيضًا المكتبة مع دور الأيتام الموجودة فى المنطقة لنشر الأنشطة الثقافية والترفيهية، كما تحرص على الذهاب إلى الأطفال المرضى فى مستشفى الدمرداش لتقديم الخدمات الترفيهية واكتشاف مواهب الأطفال.
إن ما يتم فى مكتبة عرب المحمدى وغيرها من المكتبات لا بد من متابعته وتعميمه وتوفير الميزانية التى تمكن من نشر الثقافة والتوعية، التى هى حائط صد لأفكار العنف والإرهاب. إن ما تحتاجه مكتبة عرب المحمدى هو إنشاءات تواكب التوسع لتفعيل كل الأنشطة، كما تحتاج أجهزة مثل الداتا شو وأجهزة إضاءة وعددًا من المراوح وغيرها من الأدوات.
إن ما تحتاجه مكتبة عرب المحمدى وغيرها من المكتبات يتطلب التعاون بين «وزارات الثقافة والشباب والرياضة والتضامن الاجتماعى والجمعيات والمراكز الثقافية ومنظمات المجتمع المدنى» لنشر أشعة نور شمس الفكر والإبداع لمواجهة الأفكار الظلامية. إننا نريد من الفنانة المبدعة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، المبادرة بتفعيل التعاون بين الوزارة وبقية الوزارات المعنية، مع مشاركة المجتمع المدنى، وذلك لتوفير الإمكانيات وتسهيل العقبات أمام نشر التوعية الثقافية، كما نطالب الوزيرة بأن تطالب المسئولين فى الدولة بزيادة ميزانية الثقافة، من أجل بناء البشر وتنمية عقول وإبداعات مواردنا البشرية، وأن تضع فى الأولوية زيادة ميزانية هيئة قصور الثقافة لإعادة فتح القصور المغلقة منذ أكثر من عشر سنوات، لعدم توفير عشرات الملايين من الجنيهات، مع بناء بيوت ثقافية فى الأماكن البعيدة فى القرى والنجوع. كما نطالب بعمل قوافل ثقافية للأماكن التى لم تتوفر بها وسائل الثقافة والترفيه بعد. إن ذلك يتطلب عشرات الملايين وليس المليارات. إن إتاحة الثقافة لجميع المواطنين حق، وتساوى فى الأهمية المهرجانات الفنية «المتنوعة والمهمة» بل تعتبر أكثر أهمية من وجهة نظرى فى بلد يعانى من انتشار الأفكار الرجعية والظلامية والمتطرفة وانتهاج البعض العنف والإرهاب.