رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حرب أكتوبر.. وإعادة قراءة التاريخ


تحل علينا ذكرى حرب أكتوبر، والوطن لا يزال فى مرحلة أقرب ما تكون إلى العبور، العبور إلى لم الشمل، والاستقرار، والضفة الأخرى حيث المستقبل. ولا مستقبل دون إعادة قراءة التاريخ، فالأمم فى لحظاتها الصعبة تقف لتعيد قراءة ماضيها جيدًا، لتفهم حاضرها، وتعبر إلى المستقبل.
إذا قرأنا فى المراجع الغربية عن حرب أكتوبر، فإن أول ما يصدمنا هو غياب مصطلح حرب أكتوبر، وسنجد بدلًا منه مصطلحًا غريبًا هو «حرب كيبور»، أى حرب عيد الغفران، وهو مصطلح عبرى، حيث وقعت الحرب يوم عيد الغفران العبرى، فأطلقت ماكينة الإعلام الإسرائيلى على الحرب هذا المصطلح، كنايةً عن أن العرب هاجموا إسرائيل فى يوم مقدس هو عيد الغفران، ولم يحترموا الديانة اليهودية!.
ونفتخر نحن المصريين باسم «حرب العبور»، تمجيدًا لذكرى عبور القناة وتحطيم خط بارليف، هذا المستحيل الذى كانت تزعمه إسرائيل، كما نطلق عليها أحيانًا حرب العاشر من رمضان، تبركًا بأن الحرب وقعت فى شهر رمضان المبارك، وغزوة بدر، ولكن ساد كثيرًا مصطلح حرب أكتوبر أو ٦ أكتوبر.
لكننا وقعنا فى العديد من الأخطاء، ربما أولها أننا لم نصدق حجم الانتصار الذى حققناه فى العبور، واستعادة الكرامة، وعودة التضامن العربى الذى عبر عن نفسه خير تعبير فى مسألة حظر البترول عن الغرب، أو حتى مواقف زعماء عرب فى صالح المعركة، ولم نستثمر تلك الروح الجديدة فى صناعة المستقبل.
زعم البعض منا أن حرب أكتوبر كانت مسرحية متفقًا عليها بين السادات والأمريكان، وهو حديث الإفك والبهتان. وتطاول البعض على الشهيد أنور السادات ووصفوه بأنه «الخائن»، لأنه لم يطوِّر القتال ويندفع فى سيناء ليصل لحدود إسرائيل، بل يجتاز هذه الحدود فى معركة التحرير الكبرى! وعندما وافق السادات على وقف إطلاق النار قائلًا إنه يستطيع أن يحارب إسرائيل، لكنه لا يستطيع أن يحارب أمريكا، هتف البعض قائلًا: ها هى فصول المسرحية تكتمل!.
نسى هؤلاء أن السادات كان رجلًا عسكريًا، يدرك تمامًا أن الأحداث الكبرى لا تنتهى بالحروب، وأن القضية لن تنتهى بالضربة القاضية، كان هدف السادات القيام بعمل عسكرى ناجح لتحريك القضية، وكسر سياسة اللا سلم واللا حرب، ونجح السادات فى ذلك إلى حد كبير.
وبدأ السادات معركة السلام، وهو القائد العسكرى المقتنع بأن الحرب لن تنتهى عندما تصمت المدافع، ولكن هناك معركة أخرى دبلوماسية، هى معركة السلام. ربما أخطأ السادات فى بعض التقديرات، سواء فى الدخول منفردًا فى مباحثات السلام دون الظهير العربى، أو حتى أثناء المفاوضات فى كامب ديفيد، أو بعدها، وهو ما أدى إلى استقالة بعض وزراء الخارجية آنذاك، لكن أبدًا لم يكن السادات خائنًا أو عميلًا، بل بطلًا للحرب والسلام.
وهل جزاء بطل الحرب والسلام أن يتم اغتياله يوم عيده، يوم انتصاره، وبين أبنائه، يوم ٦ أكتوبر وعلى أيدى جماعة إرهابية تدعى الانتماء إلى الإسلام؟!.
أبدًا سيظل السادات بطلًا للحرب والسلام رغم أخطاء غير قليلة وقع فيها.
وسيرًا على طريق عبادة الفرعون، تم اختزال معركة العبور وانتصار أكتوبر فيما سُمّى «الضربة الجوية» لصناعة تاريخ آخر لمبارك، ولإضافة مشروعية تاريخية على حكمه، لكن ذلك كان فى الحقيقة تزييفًا للتاريخ، وإهدارًا لبطولات جميع أسلحة الجيش المصرى آنذاك.
إن من يراجع مانشيتات الصحف صبيحة الانتصار، سيجد الآتى:
«عبرنا القناة ورفعنا علم مصر، إسرائيل تعترف بنجاح العبور المصرى وتدفق المدرعات المصرية إلى سيناء، استولت قواتنا على معظم الشاطئ الشرقى للقناة وتواصل القتال، قواتنا البحرية تدمر الأهداف المهمة للعدو على ساحل سيناء الشمالى».
ثم يأتى بعد ذلك فى السطر الخامس:
«المقاتلات المصرية تضرب مواقع العدو وتتصدى لهجوم جوى كبير».
هكذا لم نعطِ حرب العبور الأهمية التى تستحقها فى التاريخ، ووصمنا بطل الحرب «السادات» بالخيانة وقتلناه، واختزلنا أدوار وبطولات كل أسلحة الجيش المصرى فى «الضربة الجوية»، ولم تقدم السينما المصرية عملًا عن العبور، يتوازن مع دماء الشهداء وتضحيات الشعب.
ألم يحِن الأوان بعد؟!.