رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. وليم سليمان قلادة.. رائد المواطنة فى مصر


وُلد وليم سليمان قلادة فى ١٤ مارس ١٩٢٤ بمدينة فوة- محافظة كفرالشيخ. تدرج فى مراحل التعليم المختلفة حتى حصل على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول «القاهرة حاليًا» عام ١٩٤٤. فى أبريل ١٩٥٤ حصل على درجة الدكتوراه فى القانون من جامعة القاهرة عن الرسالة التى تقدم بها بعنوان: «التعبير عن الإرادة فى القانون المدنى المصرى.. دراسة مقارنة»، حيث قررت لجنة الامتحان منحه درجة الدكتوراه فى القانون بدرجة «جيد جدًا» مع التوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات الأخرى.
عقب تخرجه عُيّن فى الشئون القانونية بوزارة الدفاع، وترقى فى السلم الإدارى حتى أصبح رئيسًا لقسم التشريع بالإدارة القانونية بوزارة الحربية، وعُيّن بمجلس الدولة عندما أعيد تشكيل المجلس فى عام ١٩٥٥.
كان النظام السائد فى السجون المصرية قبل سنة ١٩٥٥، يقضى بأن توضع الأغلال فى يدى وقدمى المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، طوال فترة السجن!، وهى قسوة بالغة. وفى ذات يوم من أيام فبراير ١٩٥٥ صدرت الصحف المصرية تحمل عنوان «لا أغلال بعد اليوم» وصورة كبيرة مكتوبا أسفلها: «اللواء عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة فى ليمان طرة، وهو ينفذ إرادة ثورتنا القومية الرحيمة ويحطم قيد أحدث نزيل فى الليمان وإلى يمينه اللواء محرم عثمان مدير عام السجون وأعوانه من كبار الضباط الذين اقترحوا إلغاء هذه القيود». لكن فى حقيقة الأمر لم يكن لأحد من هؤلاء الضباط دور فى هذا الاقتراح، إذ إن الوحيد الذى له الفضل فى ذلك هو وليم سليمان الذى كان يعمل فى ذلك الوقت مديرًا للتشريع بوزارة الحربية والبحرية. فالذى حدث أنه ورد للوزارة من مصلحة السجون مشروع قانون لتعديل لائحة السجون الصادرة بمرسوم بقانون رقم ٨٠ لسنة ٤٩. فبدأ وليم سليمان يدرس الموضوع وأعد مشروع قانون جديدًا راعى فى وضعه اعتبارات قانونية وإنسانية متنوعة. ومن بين التعديلات التى اقترحها وقتئذ إلغاء القيود الحديدية التى كانت تكبل بها أقدام المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، وكتب مذكرة إيضاحية تشرح أسانيد هذا الإلغاء، من بين ما أشار إليه فى المذكرة: «السجن هو فرصة الدولة التى يجب أن تنتهزها لتُعلم هذا المواطن كيف ينبغى أن تكون الحياة السليمة السوية، ولذلك يجب أن يُعد السجن من أجل تحقيق هذه الغاية، وأول ما ينبغى مراعاته فى معاملة هذا الإنسان، هو عدم المبالغة فى إيلامه وتعذيبه». ثم أرسل مشروع تعديل لائحة السجون إلى الوزارة لبحثه. لكن بعد وقت قليل أرسل وكيل الوزارة الدائم يطلب إعداد الجزء الخاص بإلغاء القيود الحديدية لأنه تقرر إصداره على الفور، حيث إن بقية اللائحة ستأخذ بعض الوقت. والغريب فى الأمر أن فى هذه القضية ظل اسم وليم سليمان مجهولًا إلى أن قام فى فترة التسعينيات ونشر بعض مقالاته فى موضوع «المواطنة» ونشرها فى كتاب، وجاء ذكر لهذا العمل الإنسانى الذى قام به أى بعد نحو ٤٠ عامًا انكشف اسم الجندى المجهول الذى كان وراء إصدار هذا القانون.
عمل فى مجلس الدولة وتدرج فى مناصبه القضائية منذ عام ١٩٥٥ حتى أصبح وكيل المجلس ومستشارًا بالمحكمة الإدارية حتى عام ١٩٨٤ حينما بلغ السن القانونية. كان له دور فعال فى التأسيس فى مجال العقود الإدارية.
اشترك عام ١٩٧٩ فى عضوية اللجنة المصرية لبحث شئون التعاقد بين حكومة السودان والشركة الفرنسية التى قامت بتنفيذ مشروع قناة «جونجلى» بجنوب السودان. عمل مستشارًا قانونيًا للهيئة المصرية العامة لمشروعات الصرف EPADP فى الفترة «١٩٧٣- ١٩٨٤»، وأثناء هذه المدة كان العضو القانونى الممثل لمجلس الدولة فى لجان البت فى المناقصات المحلية والعالمية التى تمت بالتعاون مع البنك الدولى والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهما. كما شارك فى الإعداد لمشروع القانون الذى قدمته وزارة الأشغال العامة والموارد المائية بشأن اتحادات مستخدمى مياه الرى فى الفترة «١٩٩١- ١٩٩٤». قام بإعداد الجزء القانونى بمشروع إدارة المياه بمحافظة الفيوم الذى تم بالتعاون مع الحكومة الهولندية فى عامى ١٩٩٤، ١٩٩٥. فى خلال الفترة «١٩٤٤- ١٩٩٩» قام بالعديد من الدراسات فى مجالات التاريخ المصرى والتراث القبطى والوحدة الوطنية. ومن هذه الدراسات أصدر العديد من المؤلفات نذكر منها: الحوار بين الأديان «١٩٧٦»، الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية «١٩٧٨»، مجلس الدولة ودوره فى المجتمع المصرى «١٩٨٠»، المسيحية والإسلام على أرض مصر «١٩٨٦»، مصر فى طقوس كنيستها «١٩٨٩»، مدرسة حُب الوطن «١٩٩٣»، مبدأ المواطنة «١٩٩٩»، تعاليم الرسل «١٩٧٩» وهذا الكتاب ظل يعمل به لمدة أكثر من عشرين عامًا بدأت مع عام ١٩٥٨. أيضًا فى خلال الفترة «١٩٦٥- ١٩٩٩» نشر العديد من المقالات فى المجلات والجرائد المصرية، نذكر منها: «١» فى مجلة الطليعة «انتخاب البطريرك والتراث الديمقراطى المصرى- أغسطس ١٩٧١». «٢» مجلة الهلال «الضابط الصعيدى موريس فى أوروبا- يناير ١٩٨٩». «٣» مجلة القاهرة «الحوار بين الأديان- نوفمبر ١٩٩٣». «٤» مجلة إبداع «الأقباط وكنيستهم فى مسار التاريخ المصرى- فبراير ١٩٩٤». جريدة الأهرام «الخط الهمايونى والواقع المصرى- ٣ ديسمبر ١٩٧٢، فقه المواطنة- ٢٥ مايو ١٩٨٩، الأغلبية الصامتة- ٤ يوليو ١٩٩٢». أيضًا فى خلال الفترة «١٩٦٩- ١٩٩٩» شارك فى العديد من اللقاءات بلغت ٢٤ لقاءً، نذكر منها: الندوة العالمية للمسيحيين من أجل فلسطين- بيروت فى الفترة «٧- ١٠» مايو ١٩٧٠، ندوة التسامح الدينى والتفاهم بين المعتقدات- الأمم المتحدة بجنيف فى الفترة «٣- ١٤» ديسمبر ١٩٨٤، ندوة الدور الوطنى للكنيسة المصرية عبر العصور- القاهرة فى مارس ١٩٩٩، المواطنة فى تراث المصريين- محاضرة نظمتها جماعة «تحوتى» للدراسات المصرية بالإسكندرية فى ٢٩ يوليو ١٩٩٩ وكانت آخر محاضرة يلقيها، وكان لى الشرف أن أقوم بتقديمه لجمهور الحاضرين من مثقفى مدينة الإسكندرية.
مع بداية شهر سبتمبر ١٩٩٩ أحس ببعض التعب، ما استدعى نقله إلى المستشفى لعمل بعض الفحوص الطبية، وهناك أخذ معه حقيبة كبيرة للكتب لمطالعتها ثم رافقته هذه الحقيبة إلى غرفة الإنعاش ليستفيد من الوقت. وفى ٩ سبتمبر ١٩٩٩ انطلقت نفسه بسلام لتستريح إلى الأبد فى مواضع الراحة.