رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إخوان ليبيا فى مهمة تعويم الأزمة التركية


المخاوف التى تسود الأوساط الليبية اليوم أن حجم الودائع المملوكة للمصرف المركزى الليبى فى البنوك التركية غير معروف وهى بلا سندات قانونية

منذ اندلعت الأزمة الاقتصادية التركية الراهنة، التى عُدَّ أبرز ملامحها الانكشاف الكبير لقيمة الليرة التركية، بالأساس فى مواجهة الدولار الأمريكى، واستتبعه بالضرورة أمام العملات الرئيسية الأخرى- انطلق النفير الإخوانى العام يجوب بلدان ارتكاز أعضاء الجماعة، ومنصات الإعلام التابعة، وحلفاء النظام التركى الموصوف بينهم بمقر الخلافة، معلنا حالة استنفار كاملة، حيث رفع جميعهم من دون استثناء مصطلح «الجهاد الاقتصادى». باعتبارهم يخوضون على اختلاف مشاربهم وتواجدهم حربا دفاعية، عن الصنم التركى المقدس الذى يرون تناوش العقوبات الأمريكى عليه، وتضييقات العواصم الأوروبية الأخرى التى قد يسعدها خنق امتداداته، وترسيخ أو إطالة أمد انكفائه الداخلى، فى الفصل الزمنى الذى يشهد ترتيبات لملفات عديدة، ظل النظام التركى ولا يزال عالقا وممسكا ببعض من خيوطها.
هذا النفير العام الإخوانى؛ الذى أطلقه رجب أردوغان بنفسه وعلانية فى خطاباته العامة وكلماته المتلفزة، توجه فيه إلى الشعب التركى كى يقاوم انهيار العملة «الليرة»، وأضفى على الأمر مسحة الصراع الكونى الذى تحتشد فيه قوى العالم بأسره ضد تركيا. هذا دفع جماعة الإخوان للقيام باحتشاد مضاد حول العالم، حيث جيشت إمكانياتها لمحاولة إنقاذ الليرة التركية من الانهيار الفادح فى قيمتها، إما بشراء الليرة التركية مباشرة، أو بالتوسع فى شراء السلع التركية، لتصب تلك المبالغ فى الخزينة العامة التركية. ولأن لعبة التحالفات والمحاور خرج الكثير منها للعلن فى الآونة الأخيرة، لذلك لم يكن مستغربا أن يكون أول المتقدمين للمساعدة العلنية، مستجيبا لهذا النفير، أمير دولة قطر الجناح الثانى فى المحور الإخوانى. لتفصح تلك الأزمة التركية عن حقيقة التحالفات الإخوانية، من كونها فعليا تضم تركيا وقطر فى العلن، ومؤخرا ضُمّت إليها إيران بشكل سرى كما أشرنا فى مقال الأسبوع الماضى، ويبقى غير ذلك مجموعة من الكيانات القابعة كنقاط ارتكاز حول العالم، فى طيات بعض من الدول يعمل كل منها وفق أجندته المحلية وإمكاناته الذاتية، لكن تظل تلك الكيانات تعمل كخادم أمين للمشروع الإخوانى العام.
من أبرز تلك الكيانات التى ظهرت مؤخرا بدور مؤثر بدأ يدخل على خط الأزمة التركية- فرع «إخوان ليبيا». حيث لم يكن له أن ينتظر النفير العام كى يبدأ الانخراط فى المساعدة، فهو يمثل نقطة ارتكاز نشيط منذ العام ٢٠١١ فى المشروع الإخوانى الدولى، ووصل لحكم ليبيا بالكامل فى بعض من سنوات الاضطراب، قبل أن تطيح به بعد فترة وجيزة انتخابات البرلمان الليبى ليظل محتفظا ومكتفيا بالسيطرة على العاصمة طرابلس، وقابضا على بعض المفاصل الهامة للدولة منها «المصرف المركزى الليبى».
عندما نعلم أن هذا الكيان المركزى المالى الكبير، هو أهم ما عملت عليه تركيا من لحظات الاضطراب الليبى الأولى، كى يكون فى قبضة إخوان ليبيا، ويظل منذ هذا التاريخ وإلى الآن حصة نفوذهم الأبرز داخل معادلات التقاسم- لا يكون مستغربا حينها أن يكون من قام بتعيين «الصديق الكبير» فى منصب محافظ المصرف، هو «عبدالرزاق مختار» سفير ليبيا لدى تركيا. وليستتبع ذلك أيضا ظهور القيادى البارز فى جماعة الاخوان الليبية «فتحى عقوب»، محتلا منصب المتحدث باسم إدارة المصرف المركزى بطرابلس، بصفته أمينا لسر المصرف وعضوا إداريا فى مجلس إدارته. ويبقى الضلع الإخوانى الثالث للمثلث القابض على قرار المصرف المركزى، وهو «سليمان عبدالقادر» الليبى السويسرى مراقب عام جماعة الاخوان الليبية. وهو يعد أحد العناصر الشابة التى أعادت الجماعة للحياة ما بين سنوات ٢٠٠٩ - ٢٠١٢، وتم تسكينه فى مكان بعيد ظاهريا عن المصرف «مدير معهد الدراسات المصرفية» بطرابلس، إلا أن الجميع يعلم أن المحافظ «الصديق الكبير» هو من قام بتعيينه مديرا للمعهد، على الرغم من أنه لا ينحدر من القطاع المصرفى أو المالى. فعبدالقادر يحمل شهادة فى الهندسة الميكانيكية، وعمل فى شركات تعمل بهذا المجال فى مدينة زيورخ، كما تولى رئاسة رابطة مسلمى سويسرا، إضافة لأنشطته كمراقب لإخوان ليبيا. وكان تدشين أول عودة له من خلال دوره الكبير فى مؤتمر الإخوان الأول الذى عقد ببنغازى نهاية ٢٠١١، وحضره قادة الجماعة وأبرزهم محمد صوان وعبدالرزاق العرادى وبشير الكبتى وأحمد السوقى وآخرون.
المخاوف التى تسود الأوساط الليبية اليوم، أن حجم الودائع المملوكة للمصرف المركزى الليبى فى البنوك التركية غير معروف، وهى بلا سندات قانونية، فيما قدر البعض أن حجم وديعة واحدة يبلغ ١.٥ مليار دولار. هناك العديد من المؤشرات التى تدفع بأن هناك نية كاملة للعبث بتلك الأموال، خاصة أن الليبيين إلى الآن لا يعلمون حجمها الحقيقى. وخطة تحويلها لليرة التركية من أجل الاستثمار فى دعمها، أكدها مجموعة من الحقوقيين الليبيين، مما دفعهم إلى تقديم مذكرة قانونية لمجلس رئاسة الوزراء، مطالبين فيها بتجميد الأموال الليبية العامة المودعة فى البنوك التركية، خوفا من العبث بها، ومطالبين فى مذكرتهم باعتبار تحويل الأموال إلى الليرة التركية يرتقى إلى مستوى الخيانة.
على جانب آخر؛ دشن «على الصلابى» الإخوانى الليبى البارز المقيم فى قطر، حملة واسعة ينفذها عناصر الإخوان فى طرابلس على وجه الخصوص، بجمع الدولارات من داخل السوق الليبية وتحويلها إلى تركيا. وأسفرت تلك الحملة خلال أسابيع عن جمع ما يقارب الـ«١٠٠ مليون دولار»، مما أصاب بعض أنشطة الحياة داخل المدن الليبية المرهقة والمأزومة بالأساس، بالكثير من اختناقات المعيشة والضغط على العملة المحلية التى تجاهد كى تظل قادرة على الوفاء بمتطلبات المواطن الليبى. لكن تظل الاستجابات الإخوانية لـ«النفير العام» وآلية الاحتشاد فى تنفيذ المهام، لخدمة صنم المشروع الكبير، مقدمة على أى اعتبارات وطنية أخرى فى ليبيا، وفى غيرها من البلدان.