رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمالة الأطفال جريمة اغتيال




‏«يعد طفلًا من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره.. تكفل الدولة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم واندماجهم فى المجتمع.. تلتزم الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة ‏والاستغلال الجنسى والتجارى. لكل طفل الحق فى التعليم المبكر فى مراكز للطفولة حتى السادسة من عمره ويحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه التعليم الأساسى، كما يحظر تشغيله فى الأعمال التى تعرضه للخطر».‏
هذا ما نصت عليه المادة (٨٠) من دستورنا المصرى، بالإضافة إلى عدد من المواد تنص على حقوق ذوى الإعاقة ورعاية الشباب والنشء وعمل الدولة على اكتشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والبدنية ‏والإبداعية وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة، وتنص أيضًا على أن ممارسة الرياضة حق للجميع وعلى الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيًا ورعايتهم.‏
أما المادة (٦٠) تقول لنا «لجسد الإنسان حرمة والاعتداء عليه أو تشويهه أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون، ويحظر الاتجار بأعضائه».‏
وإذا انتقلنا معًا إلى مادة أخرى تؤكد حق الطفل فى التعليم، وهى المادة (١٩) التى تنص على أن التعليم إلزامى حتى المرحلة الثانوية أو ما يُعادلها وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية.‏
لقد بدأت مقالى بالحديث عن حقوق أطفالنا من البنين والبنات، الذين هم الحاضر وبناة المستقبل والذى يجب على الدولة توفير ما يُنمِّى عقولهم ومعرفتهم ومهاراتهم وحمايتهم من كل أشكال العنف والقهر، وفقًا للدستور، ‏ولكل المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفولة، التى وقعَّت عليها مصر وأصبحت ملزمة وجزءًا من دستورنا، كما تنص المادة (٩٣).‏
ولتحقيق ذلك لا بد من توفير الظروف الحياتية المناسبة والكريمة للأسر وتوفير فرص العمل للرجال والنساء مع مرتبات تفى بالاحتياجات الضرورية ما يساعد على استقرار المجتمع ونموه ونهضته.‏
إن من أهم أسباب عمالة الأطفال فى سن مبكرة هو الفقر وازدياد الفجوة الطبقية بين فئات المجتمع. وها هى إحصاءات المجلس القومى للطفولة والأمومة تدق ناقوس الخطر وتحذرنا وتخبرنا بأن حجم عمالة الأطفال ‏الذين يعملون لساعات طويلة فى أعمال غير مؤهلين لها نفسيًا وبدنيًا يصل إلى ٢ مليون و٧٠٠ ألف، منها ٨٠٪ بالريف و٢٠٪ فى المدن. وهناك أيضًا إحصائية صادمة تخبرنا بأن أكثر من ١٠ آلاف طفل محبوسين ‏احتياطيًا ٢٠٪ منهم متهمون بجرائم قتل و٥٠٪ متهمون بارتكاب جرائم سرقة ومخدرات. هذه الإحصائية صادرة من المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. هذا غير ما يتعرض له الأطفال فى عدد من دور اليتامى ‏من اعتداءات جسدية وضرب وإهانة فى غياب إحكام الرقابة.‏
من مشاكل الفقر أيضًا خروج الأطفال للعمل فى سن مبكرة وفى ظروف قاسية تفتقد الحماية والأمان وبالمخالفة للقانون. فى معظم الدول يتم السماح للأطفال فى سن ١٥ سنة بالعمل فى فترة الإجازة من أجل تنمية ‏مهاراتهم ومن أجل توفير المصاريف الدراسية، ولهذا العمل شروطه وظروفه، التى ينص عليها قوانين ومواثيق العمل الدولية ومنها ألا تزيد ساعات العمل على ٦ ساعات تتخللها راحة للأكل ولا يتم تشغيل الأطفال ‏مساء مع إلزام صاحب العمل بإبلاغ القوى العاملة عمن يشتغلون عنده من الأطفال لضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.‏
بالطبع لا يحدث هذا عندنا، حيث يرسل الفقراء أولادهم للعمل فى ظروف تفتقد للحماية وفى سن صغيرة، فهناك من يرسلون بناتهم فى سن الثامنة للعمل فى المنازل دون رقابة، وكم سمعنا عن الجرائم التى ترتكب فى حق ‏الصغيرات، منها الضرب المبرح والتعذيب بالكى بالنار، وهناك من يرسل البنات الصغار فى القرى للعمل فى شركات فرز وتعبئة الخضروات والفواكه للتصدير لقاء أجور زهيدة، وبالطبع لا ضمانات ولا عقود ولا ‏تأمينات ولا توافر لشروط السلامة والصحة المهنية ولا وسائل مواصلات آدمية، وكم سمعنا وشاهدنا الكثير من حوادث انقلاب سيارت ربع النقل التى ينحشر فيها الأطفال وتسير بهم فى الطريق للعمل وسط طرق غير ‏ممهدة ويصاب عدد ويلقى عدد آخر حتفه وتلف الحسرة ذويهم وتفقد الدولة جزءًا كبيرًا من الثروة البشرية.‏
يقول الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية فى جريدة الأهرام السبت ٣ أغسطس، وتحت عنوان اغتيال البراءة بسبب لقمة العيش «إن الوأد النفسى أشد وطأة من القتل الجسدى، فالطفل لديه عالمه الخاص ‏واحتياجاته المنفردة التى يجب العمل على إشباعها، حتى لا يعيش محرومًا من إنسانيته مهدرًا لكرامته، فعمالة الطفل لها العديد من الآثار النفسية فى جميع مراحل عمره حتى الشيخوخة، فالطفل الذى يعمل فى سن مبكرة ‏يفتقد الحنان والرعاية وينخفض مفهومه نحو ذاته ما يسبب الاضطرابات كالتوتر والقلق والكآبة وبعض ملامح الاكتئاب، كما يكون عرضة للتدخين وإدمان المخدرات والاستغلال الجسدى والمعنوى، ويتعرض البعض ‏من هؤلاء الأطفال للاستغلال من خلال مافيا تجارة الأعضاء». إننى أتفق مع دكتور وليد وأضيف خطرًا آخر وهو تأثر الأطفال بالأفكار المتشددة والانضمام للجماعات الإرهابية والقيام بأعمال العنف.‏
إن الاهتمام بسرعة إصدار قانون العمل مع حظر عمالة الأطفال ورقابة الدولة مع تفعيل رقابة شعبية على أماكن العمل بجانب تغليظ العقوبة على من يرتكب جرم تشغيل الأطفال فى سن صغيرة بالمخالفة للقانون ‏واهتمام الدولة بتنمية الثروة البشرية بالتعليم والتدريب والتأهيل وتوفير فرص العمل بأجور مناسبة وعادلة- سيسهم فى القضاء على اغتيال براءة الطفولة، وسيعمل على تقليل الفجوة بين فئات المجتمع ويساعد على ارتفاع ‏مستوى معيشة الأسر المصرية واستقرار المجتمع.‏