رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وتظل فلسطين أمنًا قوميًا لمصر


الولايات المتحدة اتخذت موقفًا ضد الشعب الفلسطينى بما يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة بخفض مساهمتها فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
زار السيد سامح شكرى، وزير الخارجية، الولايات المتحدة، وأجرى مباحثات مع نظيره الأمريكى مايك بومبيو وأفادت الأنباء بأنه اتفق معه على إعطاء دفعة جديدة للعلاقات المصرية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة وتكثيف التواصل والتشاور ولإيجاد حلول لأزمات الشرق الأوسط وتعزيز واستقرار المنطقة، وأنهما اتفقا على مواصلة الزيارات الثنائية وعقد جولة جديدة من الحوار الاستراتيجى وآلية ٢+٢ على مستوى وزيرى الخارجية والدفاع بين البلدين فى أقرب فرصة ممكنة.
وزير الخارجية الأمريكى-من جانبه- أكد أن بلاده تحرص على تعزيز العلاقات مع مصر، لأنها شريك استراتيجى فى الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم مصر سياسيًا واقتصاديًا، بما فى ذلك برنامج المساعدات الأمريكى بشقيه الاقتصادى والعسكرى لدفع قدرات القاهرة على مواجهة التحديات الأمنية وتعزيز الاستقرار الإقليمى.
لا شك أنه من الطبيعى أن تكون العلاقات مع الولايات المتحدة مهمة، وأن إجراء حوار استراتيجى معها أمر مفيد ومطلوب باعتبار تحقيق مصالح مصر، ومن الطبيعى أن الولايات المتحدة تحرص على تحقيق مصالحها من خلال الحوار والعلاقات الثنائية وتبادل الزيارات، إلا أننى أشعر بأن الأمور لا تسير فى هذا الاتجاه، وأن الحوار مع الولايات المتحدة يأخذنا فى اتجاه آخر يحقق ما تراه الولايات المتحدة مصلحتها ومصلحة إسرائيل، وأن تطورات العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة، بل مع الدول العربية عمومًا، تسير فى عكس الاتجاه، وأن الولايات المتحدة الأمريكية تحت إدارة الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب تسير فى عكس الاتجاه، وأنها فى أحسن الأحوال تحاول استقطاب بعض الدول العربية كغطاء لموقفها المنحاز تمامًا لإسرائيل بما يدفع إلى قبول ما لا يمكن قبوله فى باقى القضايا خاصة القضية الفلسطينية والموقف فى سوريا.
دليلى على ما سبق أن ملك الأردن ظل فى الولايات المتحدة نحو أربعين يومًا، وعاد من هناك ولم نقرأ أو نسمع خبرًا واحدًا يشير إلى تغير فى الموقف الأمريكى حيال قضية العرب المركزية، والتى هى فى نفس الوقت قضية أمن قومى مصرى، فأول ما يمكن به بدء حوار استراتيجى بين طرفين أن يقتنع أطراف الحوار بقضايا الطرف الآخر، ولقد اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية مواقف معادية للمصالح العربية رغم معرفتها بتفاصيل الموقف العربى، ونجد أنها تتخذ مواقف مضادة للأمن المصرى والقومى العربى، وحينما أقول إنها لم تتخذ موقفًا متغيرًا يمكن تفسيره بأنه تغير فى الموقف الأمريكى أدلل بأننا نذكر اتصال الرئيس الأمريكى بكل من ملك الأردن والرئيس المصرى قبل إعلانه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأنه يعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل ولا أظن أحدًا يشك فى أن الاثنين أبلغاه رفضهما قراره وخطوته، كما أننا ما زلنا نعيش فى ظل هذا القرار. ولقد كان من الممكن أن تتخذ الولايات المتحدة موقفًا يعيد النظر فى القرار أو على الأقل يوقف تنفيذه دليلًا على تغير فى الموقف، لكن شيئًا من هذا لم يحدث.
كذلك فإن الولايات المتحدة اتخذت بمبادرة منها موقفًا ضد الشعب الفلسطينى بما يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة بخفض مساهمتها فى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فى محاولة لتصفية قضية اللاجئين التى هى لب القضية الفلسطينية، ولقد كان من الممكن أن يعلن وزير الخارجية الأمريكى قرارًا بإعادة صرف المبلغ الذى حجبته إدارته، وهو ما لم يحدث. كذلك كان من الممكن أن تصحح الولايات المتحدة موقفها حيال ما تقوم به إسرائيل من قتل وإصابة الشعب الفلسطينى فى مواجهة مسيرات العودة بإدانة الأعمال الإسرائيلية، وهو أمر لا يحتاج دراسة أو سوق المبررات، فما يحدث من إسرائيل جرائم سافرة لا تحتاج أكثر من فتح العينين لرؤية الواقع، وكان يمكن للإدارة الأمريكية الحالية الاقتداء بالإدارة الأمريكية السابقة حين لم تعترض على قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلى. وبعد ذلك فقد كان فى مقدور وزير الخارجية الأمريكى أن يعمل على تدعيم السلطة الفلسطينية بالاتصال بها والتشاور معها، والحث على تحقيق المصالح الفلسطينية. كذلك كان يمكن رفض قانون القومية اليهودية.
يبقى بعد ذلك أنه من الواضح أن الإدارة الأمريكية تتصور أنه يمكن تحويل قضايا الشرق الأوسط إلى قضايا مساعدات وقضايا إنسانية، وهو ما بدأ عن طريق الإفراج عن مساعدات لمصر أو تصور أنه يمكن حل قضية اللاجئين عن طريق توفير مساعدات مالية للأردن أو مصر، متناسية أن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى.
أخيرًا أرجو ألا يكون الناتو العربى أحد موضوعات الحوار الاستراتيجى، فمصر قد هجرت الأحلاف منذ زمن، وتظل فلسطين أمنًا قوميًا لمصر.