رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة كوشنر فى الميزان


لا شك أن زيارة الوفد الأمريكى مصر يوم الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٨، تعتبر من أهم الأحداث، إن لم تكن أهمها على الإطلاق. فهى بلا شك كانت مصاحبة لأحاديث كثيرة عما سمى صفقة القرن. اشتمل الوفد الأمريكى على جاريد كوشنر كبير مستشارى الرئيس الأمريكى، وجيسون جرينبلات مساعد الرئيس الأمريكى، الممثل الخاص للمفاوضات الدولية، وغيرهما.
أكثر ما أهمنى هو ما نشر رسميًا عبر الإعلام الرسمى عن موقف مصر من التسوية الشاملة والعادلة لما يسمى القضية الفلسطينية، بينما أعتبرها قضية الأمن القومى العربى، حيث يبدو أن وسائل إعلام عربية وأجنبية أشارت إلى أن مصر توافق أو وافقت فعلًا على ما تراه وتفعله الإدارة الأمريكية فى محاولتها الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية، بما يشتمل عليه من سيطرة إسرائيلية على كامل فلسطين وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وبعبارة أخرى بلا سيادة وبلا حقوق. ورغم أننى كنت أتمنى أن يكون الموقف المصرى على نحو آخر لكننى راضٍ جزئيًا عما نشر.
لقد جاء كما نشر فى وسائل الإعلام أن مصر تؤكد التوصل لتسوية عادلة وشاملة طبقًا للمرجعيات الدولية المتفق عليها، وعلى أساس حل الدولتين وفقًا لحدود عام ١٩٦٧، تكون فيه القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. وطبعًا ما أهمنى بشدة أن التصريح بهذا الشكل بعيد عما أشيع عن صفقة القرن، وبالرغم من أننى لا أتصور قبول الإدارة المصرية بما أشيع عن الصفقة، إلا أننى كنت فى حاجة إلى تأكيد رسمى موثق أو شبه موثق (ليطمئن قلبى). لكننى أرى أن الصيغة المعلنة وإن كانت تنفى مشاركة مصر فى تصفية القضية، إلا أنها غير واضحة بالنسبة للحقوق العربية والفلسطينية، وهنا أتساءل أولًا عن حق العودة، أى حق اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، وماذا عن حق الدولة الفلسطينية فى حال العدوان عليها؟، وماذا عن التعويضات عما أصاب الفلسطينيين من خسائر طوال العدوان؟. يقلقنى أن نستعرض الجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية وتهدئة الأوضاع فى غزة أمام الأمريكيين وكأننا فى موضع مراجعة ومحاسبة، بينما لا أجد نقدًا للخطوات الأمريكية وآثارها السلبية، كما أن الحديث عن الجهود من أجل المصالحة الفلسطينية يوحى بأن اللوم كله يقع على الفلسطينيين وأنهم لو كانوا قد توحدوا لحصلوا على حقوقهم من زمن، وهو افتراض غير صحيح، ويذكر التاريخ أن المفاوضات عادة ما تجرى بين جوانب منقسمة، وأبسط دليل أن إسرائيل نفسها منقسمة فيما بينها ولن نرى جانبًا فلسطينيًا يعترض على انسحاب قوات الاحتلال من الأراضى التى احتلتها.
ألاحظ أيضا أن مصر أكدت خلال اللقاء الحرص على استمرار تعزيز وتنمية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة على نحو يخدم المصالح المشتركة للبلدين فى ظل حالة عدم الاستقرار التى تعانى منها منطقة الشرق الأوسط وما تمر به من أزمات، ولا أجد حرصًا أمريكيًا مقابلًا على علاقاتها مع مصر، ومن المعروف أن ما أكده كوشنر من أن مصر ركيزة أساسية للاستقرار فى المنطقة لا يعنى بالضرورة أن الولايات المتحدة حريصة على تنمية علاقاتها الاستراتيجية مع مصر، كما أننى بحثت فيما صدر عن اللقاء عما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحاول أن تصحح الآثار السيئة للقرار الأمريكى المتعلق بالقدس ونقل السفارة إليها، فلم أجد شيئًا. أى أن الإدارة الأمريكية الحالية اعتبرت أنها قامت بما يجب، وليست مستعدة لمراجعة قرارها السابق، وأننا نبدو كما لو كنا قد ابتلعنا القرار الذى يعتبر بمثابة صفعة لنا تعبر عن استهتار الولايات المتحدة بمصر والأمة العربية، وقد يعنى أننا لا ندرك مدى احتياج الولايات المتحدة لعلاقاتها الاستراتيجية مع مصر، وكأنها علاقات من جانب واحد.
إضافة إلى ما سبق فقد لفت نظرى ما جاء فيما نشر عن اللقاء حول الاتصالات المستمرة التى تجريها مع الأطراف المعنية من أجل الدفع قدما بمساعى إحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى ولم يأت ذكر ما تقوم به الولايات المتحدة لتصحيح أخطائها التى أدت إلى فشل وتوقف المفاوضات. فلا توقع لنجاح مفاوضات ما لم يجرِ علاج أسباب الفشل السابق.